تبنّت دولة الاحتلال التركي منذ بداية الازمة السورية دور تعميق الأزمة وتوسيعها؛ بهدف زيادة مساحة نفوذها داخل سوريا، فهي ترى بأن ما يجري في سوريا أو المنطقة بشكل عام حرب تقسيمية، وعليها أن تعمل ما في وسعها للحصول على حصتها من هذه الأراضي المتروكة للنهب في مختلف الدول التي تشهد أزمات، فزجت بقواتها في معظم تلك الدول، ومثال على ذلك إرسال قواتها إلى بعشيقة في العراق، تلك التي أرسلتها لقطر وكذلك ليبيا وأيضاً ما أرسلته إلى شمال سوريا، فإرسال قواتها تلك إلى المناطق المختلفة مرتبط باستراتيجيتها.
دولة الاحتلال التركي تريد استغلال أزمات المنطقة؛ لتعيد أمجاد الدولة العثمانية التي غربت شمسها بعد الحرب العالمية الأولى أو على الأقل استعادة جزء ولو بسيط من تلك الأمجاد. فحزب العدالة والتنمية الذي تم تسويقه على أنه يمثل الإسلام المعتدل لم يتوانَ عن وضع يده في يد أكثر التنظيمات المتطرفة كداعش والنصرة أو كفصائل درع الفرات أو تلك اللتي تدعمها وتستخدمها في ليبيا؛ في سبيل تحقيق هذا الهدف التوسعي. فدولة الاحتلال التركي بهذا المعنى أضحت بؤرة لتوليد وضخ العنف وعدم الاستقرار والحرب والتدمير واستخدام كل ما سبق في سبيل تحقيق ذلك الهدف. وسوريا كانت من أكثر المتضررين من هذه السياسات التركية المؤذية، فخلال السنوات الثماني الفائتة لم توفر دولة الاحتلال التركية ورقة إلا وألقتها على طاولة الألم السوري حتى تكسب أقصى ما تستطيعه على حساب هذا الألم، ابتداء بورقة اللاجئين التي استخدمتها ضد أوروبا وما زالت تلوح بها كلما شعرت بتراخٍ أوروبي ما، مروراً باستخدامها الائتلاف السوري بأبشع الأشكال لتحقيق أهدافها العنصرية – الشوفينية ضد الكرد، وانتهاء بتسخير واستخدام داعش والنصرة ضد كل السوريين وفتح ممرات حرب عبر حدودها ضد سوريا.
في غضون ذلك؛ قام أردوغان وما يزال بترسيخ سلطته على حساب دم السوريين، فإعلانه الحرب على عفرين، وتنفيذه للتطهير العرقي والإبادة الجسدية والثقافية ضد الشعب الكردي كلها أدت إلى تعبئة واستمالة الرأي العام العنصري التركي لصالحه لينجح في الانتخابات البرلمانية، وهو اليوم أيضاً، وبخاصة بعد فشله في انتخابات الإدارة المحلية بحاجة إلى حملة جديدة من ذلك النوع ليدخل بها الانتخابات المبكرة المحتملة في تركيا.
إن قول أردوغان: “سنقوم بإضافة انتصار جديد إلى عيد النصر الذي يصادف ٣٠ آب” يعني أنه بحاجة إلى ضحية جديدة ليقوم باستعادة شعبيته التي فقدها في انتخابات الإدارة المحلية التي كانت بمثابة هزيمة كبيرة لحزب العدالة والتنمية. ما يجري في إدلب، والتهديدات اليومية على شمال وشرق سوريا يأتي في سياق التحضير لذلك.
أردوغان يعتمد الحرب كوسيلة لترسيخ سلطته في تركيا والسوريون هم الذين يدفعون فاتورة مغامراته الدموية، وعلى ذلك فإن الاستعداد لجميع الاحتمالات هام للغاية، مع العمل بشكل موازٍ وبعقلانية كبيرة لتجنب التحول إلى ضحية لمخططات أردوغان. من هنا؛ فإن تطوير شريط أمني على الحدود يوقف الهجمات التركية على منطقتنا يعتبر خطوة هامة نظراً إلى ما تم ذكره.
ما يجري في إدلب اليوم كان مخططاً له أن يجري في مناطقنا. لكن؛ أتت الرياح بما لا تشتهي سفن الأتراك، فانقلب السحر على الساحر، ووقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في آستانا لم يصمد طويلاً على الأرض؛ ذلك أن اللعبة لم تتم مثلما تم التخطيط لها. والآن نحن أمام مرحلة حبلى بكل شيء، فبقدر ما هنالك فرص للسلام، هنالك احتمال لحرب كبيرة أيضاً؛ لأن أنقرة ما تزال، مع الأسف الشديد ترى الحرب -لا السلام – حبْلاً لنجاتها.