سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“أم واجعات”.. بين المخاطر والمحاسن

“أم واجعات” تسمية يطلقها سكان الرقة على “المرأة التي تقوم بتنظيف العين بواسطة لسانها” لقاء أجر مادي، وهي مهنة طبية شعبية تمارسها النساء دون الرجال، حيث يُقبِل سكان من الريف وخاصةً ممن يعملون في الفلاحة على “أم واجعات” لإخراج أجسام غريبة من عيونهم.
بالرغم من التطور في مجال الطب ووجود أطباء عيون في مدينة الرقة ومشافيها، إلا أن بعض سكان ريف الرقة لا يزالون يلجؤون إلى “أم واجعات”، لتنظيف أعينهم من الأوساخ واستخراج الأجسام الغريبة منها، في سياق متصل ولمعرفة المزيد عن هذه المهنة أجرت وكالة “نورث برس” تقريراً حول هذا الموضوع.
في الدكان الصغير الواقع عند مدخل منزلها في قرية العكيرشي /18/ كم جنوب الرقة، شمالي سوريا، تستقبل أمينة الصالح (45عاماً) الشباب والرجال، ممن يشتكون من دخول أجسام غريبة في عيونهم، بينما تستقبل النساء والفتيات داخل منزلها “دفعاً للحرج”.
تمارسُ مِهنتها منذُ حوالي ثلاثين سنة..
تمارس ” أمينة الصالح” مهنة “أم واجعات” منذ حوالي ثلاثين سنة، مذ كانت في مقتبل الصبا، حيث تقول: “كنت صبية صغيرة وكان الأهل والجيران يأتون إليَّ بأطفالهم لتنظيف أعينهم وإخراج الأوساخ منها”.
وتُعرف المُعالِجة، التي تعيش مع ابنين وبنتين بعد وفاة زوجها، لدى أهالي قرية العكيرشي وقرى ريف الرقة الجنوبي بلقب “الدكتورة أماني” وذلك “لتشخيصها أمراض العين بدقة ولبراعتها في إخراج الأشياء الصغيرة التي تعلق داخل العين”، حسب ما يذكر سكان من ريف الرقة الجنوبي.
وتستقبل أمينة مراجعيها لتعالجهم بسرعة فائقة ومهارة اعتادت عليها، وتقول: “البعض منهم لا يضطر للنزول من سيارته أو دراجته النارية، إذ أني أقوم بشكل سريع بتنظيف عينه”.
وحول هذا الموضوع قال صالح المحمد (70عاماً)، من سكان قرية الدلحة /20/ كم شرق مدينة الرقة، إن الأطباء العاديين يعجزون عن استخراج الأجسام الغريبة من العين، في حين أن “أم واجعات قادرة على استخراج كل ما يدخل إلى عين الإنسان بسهولة وبأجر بسيط لا يتعدى ألفي ليرة سورية”.
لكن استقبال النساء والفتيات يكون في داخل المنزل، لأن “بعض النساء والفتيات يشعرن بالحرج من كشف وجوههن أمام الناس”، كما تقول أمينة.
وقالت في السياق ذاته سارة العلي (35عاماً) من سكان قرية العكيرشي، إنها شعرت براحة بعد أن قامت (الدكتورة أماني) باستخراج حصى صغيرة وقطع من القش والتبن من عينيها،  وأردفت: “كانت قد دخلت في عيني أثناء عملي في الأرض الزراعية”.
وتفتخر أمينة بمهارتها وأسرار مهنة “أم واجعات”، التي “جعلت حتى الأطباء يغتاظون لأن كل من يأتي إلى (الدكتورة أماني) يعود متعافياً، سليم العين”، حسب قولها.
ولم يكن الأطباء وحدهم من استغربوا من كيفية قيامها باستخراج وتنظيف العيون بهذه الطريقة البدائية، فمرتزقة (داعش) لم ينظروا للأمر بحُسن نية أو من زاوية أن امرأة تمتهن الطب الشعبي، وقد راودهم الشك في أنها “تستخدم السحر لعلاج عيون الناس”.
تتحدث أمينة الصالح عن فترة سيطرة مرتزقة داعش على المنطقة بالقول: “لقد وشى أحدهم لداعش بأنني ساحرة وأستخدم الجن في عملي، فقاموا بإدخال كاميرا تصوير خاصة داخل فمي”.
وتستغرب رفض ابنتيها تعلم واكتساب مهنة “أم واجعات” على يديها، وتابعت: “فعلى الرغم من أنها تدر أموالاً لا بأس بها، إلا أن ابنتي لا تقبلان تعلم هذه المهنة”.
حوادث غريبة ومؤلمة أحياناً!
ولا تخلو مهنة “أم واجعات”  في الرقة من حوادث غريبة ومؤلمة أحياناً، ومنها أن امرأة من الرقة في ثمانينات القرن الماضي، كانت تمتهن مهنة “أم واجعات”، قامت ذات مرة بتنظيف عين حصان أصيل من الأوساخ بلسانها، ما أدى لوفاتها، بسبب إصابتها بمرض ما في فمها، حسب ما يقول سكان من المنطقة.
وتعتقد أمينة أنها في مأمن من الأمراض ما دامت تحتاط قبل تنظيف العيون بلسانها، وأضافت بالقول: “أقوم بالمضمضة بالماء والملح قُبيل مباشرتي بإدخال لساني في عين المراجع وذلك لحماية نفسي من الالتهابات والأمراض”.
مخاطر هذه المهنة..
لكن الطبيب المختص بأمراض العين في الرقة، أسعد العيسى، يرى أن الذهاب إلى أم واجعات “خطأ كبير” في فترة انتشار جائحة كورونا وفي وغيرها من الأوقات لأنها تتسبب بنقل العدوى بالإضافة للالتهابات وجراثيم أخرى”.
ويضيف الطبيب أن لطريقة استخراج الأجسام الغريبة من العين عند “أم واجعات”  مضاراً على الصحة عموماً وعلى العين خاصة، “إذ أنها تؤدي لالتهاب وتقرحات في جفن العين”.
وبحسب “العيسى”، فإنه صادف العديد من الحالات الطبية الخطرة جراء استخراج الأجسام الغريبة عند “أم واجعات” ومنها التهابات بالقرنية، “وقد يصل بعضها إلى استئصال العين بعملية جراحية”.
وينصح الطبيب المختص بأمراض العين في الرقة، أسعد العيسى سكان الرقة بمراجعة “طبيب العيون المختص الذي يمتلك المقدرة على استخراج الأجسام الغريبة من العين بطرق طبية علمية وأكاديمية”، حسب تعبيره.