بغرور وصفاقة يهدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار دول عربية خليجية، وهو نفسه الذي قال قبل شهر خلال زيارة له إلى ليبيا (أننا سنبقى هنا إلى الأبد) قبل أن يستفيق في اليوم التالي على وقع تدمير قاعدة الوطية الليبية التي نشرت تركيا فيها أنظمة صواريخ ورادارات متطورة، وهو نفسه أكار الذي أعلن قبل نحو شهرين عن إطلاق عملية عسكرية في باشور كردستان بالحجة الواهية (محاربة حزب العمال الكردستاني)، دون أن يدرك أن جيشه أطلق منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حتى الآن 33 عملية عسكرية مماثلة وقد فشلت جميعها في القضاء على الحزب الكردستاني، ولكن اللافت في كل تصريحات أكار بخصوص ليبيا والعراق وباشور كردستان وسوريا وأرمينيا واليونان وفرنسا… هو تحدثه بلغة السياسي وأحياناً المتحدث باسم أردوغان وكاشف طموحاته الجامحة وأحلامه العثمانية مع أن الرجل وزير دفاع، وهو منصب يقتضي منه التحدث بأمور عسكرية لا سياسية، فما السر وراء ذلك؟ وما هي طبيعة علاقته بأردوغان؟
يقول صحفي تركي فار من بلاده بسبب ملاحقة سلطات أردوغان له، جرت العادة في تركيا إنه في حال حصول انقلاب عسكري، أن نكون أمام المعادلة التالية: إذا نجح الانقلاب يصبح رئيس الأركان رئيساً للبلاد وإذا فشل يتم دفع الثمن، لكن الذي جرى خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف عام 2016 كان عكس ذلك تماماً، إذ جرى ترقية أكار الذي كان رئيساً للأركان وقتها، وعيّنه أردوغان وزيراً للدفاع، ومن ثم منحه صلاحيات غير مسبوقة لأي وزير دفاع في تاريخ تركيا، بل إن أردوغان منع البرلمان والمحكمة الدستورية من الاستماع إلى إفادة أكار بشأن المحاولة الانقلابية الفاشلة، مع أن أردوغان اتخذ من الانقلاب ذريعة لوضع مناوئية في صفوف الجيش إلى السجون. وقد كان أكار أداته في تنفيذ كل ذلك وهو الذي تخلص بقرارات إدارية من كبار قادة الجيش المناوئين لحكم أردوغان ولاسيما الذين عارضوا تدخله العسكري في سوريا ودعمه للجماعات الإرهابية، وبحكم هذه العلاقة الخاصة بينهما، بات أكار يتقمص شخصية أردوغان، ويتحدث بلسانه، ويكشف عن مكنونات دماغه وقلبه، فيتسلل إلى التراب السوري والعراقي والليبي… ويحلم بالسيطرة على النفط والغاز في الجوار الجغرافي، يستعيد الأحلام العثمانية إلى درجة أنه ينتقد اتفاقية لوزان التي حددت حدود الجمهورية التركية ويدعو للعودة إلى الميثاق الملي. مع أن اتفاقية لوزان هي التي حفظت تركيا من الانهيار وسجلت نصراً كبيراً لأتاتورك وجمهوريته، لكن المشكلة كل المشكلة في عقل أردوغان الذي لا يستطيع أن يفكر خارج منطق السلاطين، والأخطر أن أردوغان زرع هذا المنطق في دماغ معظم مسؤوليه من أمثال أكار وغيره، إلى درجة أن هؤلاء باتوا يفكرون بنفس الصندوق المغلق الذي يفكر به أردوغان، وهو ما دفع بوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إلى الرد على التصريحات الاستفزازية لوزير الدفاع التركي بالقول “إن منطق الباب العالي والدولة العليا وفرماناتها مكانه الأرشيف التاريخي … وإنه لا مكان للأوهام الاستعمارية في هذا الزمن، والأنسب أن تتوقف تركيا عن تدخلها في الشأن العربي”.
في الواقع، تصريحات أكار وتهديداته لدول عربية خليجية، تحمل ضغائن تجاه من تعتقد تركيا أنهم ساهموا في وضع نهاية للإمبراطورية العثمانية قبل نحو قرن من الزمن، وهو في تهديده هذا ينطلق من التزاوج الحاصل بين العثمانية والإخوانية في العالم العربي، كما ينطلق من حقد أعمى ضد الدول العربية المطالبة بكف تركيا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وزعزعة استقرارها، لكن العمى الأيديولوجي، والطموحات القاتلة والغرور السلطاني … كل ذلك، يمنع أردوغان وصبيانه من أمثال أكار من رؤية الحقيقة التي تقول إن تركيا تتحول تدريجياً إلى دولة استعمارية وإن الشعوب ستقاوم هذا الاستعمار حتى النهاية.