روناهي/ قامشلو ـ تمر من جديد ذكرى فاجعة شنكال والتي أدت إلى استشهاد وأسر الآلاف، هذا غير عشرات الآلاف من المهجرين قسراً، وذلك عقب هجوم شنه مرتزقة داعش على شنكال في آب من عام 2014، ولولا تدخل قوات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية المرأة وحماية الشعب لكانت الفظائع أكبر بعد انسحاب قوات البيشمركة من المنطقة، ولعل الأطفال ومن كلا الجنسين كانوا أكثر من دفع الثمن في هذا الهجوم حيث جندوا واغتصبوا بدون أية رحمة أو شفقة
يعتبر ما حصل في شنكال عبارة عن جينوسايد عملية إبادة جماعية مورست بحق الشعب الإيزيدي بحيث نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً جديداً تحذر فيه من أن حياة ما يقرب من ألفي طفل في خطر حتى بعد تحريرهم من المرتزقة.
مناظر ومشاهد مؤلمة شهدتها شنكال على يد مرتزقة داعش التي كانت دولة الاحتلال التركي وراء استفحال حركتهم بدعم من كافة النواحي وإقامة معسكرات تدريب بداخل تركيا وتصديرهم للداخل السوري والعراقي، وأشارت الكثير من التقارير الدولية لذلك. ومرتزقة داعش لم يرحموا لا الحجر ولا البشر من إجرامهم، وما حصل في شنكال كانت إبادة جماعية حيث استشهد الآلاف، هذا غير ما قاموا به من سبي النساء واغتصابهن وقتل الشيوخ والشباب، ولكن الأطفال كانوا الضحية الأبرز لهذا الهجوم الذي حصل في الثالث من آب عام 2014.
ونرى في تقرير جديد نشر في 30/7/2020، على موقع منظمة العفو الدولية وتحت عنوان” إرث الإرهاب – محنة الأطفال الإيزيديين ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية”:
ارتكبت داعش بين عامي 2014 و2017 جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وما تصفه الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية ضد المجتمع الإيزيدي في العراق.
وحذر التقرير من أن قرابة 2000 طفل أيزيدي عادوا إلى عائلاتهم عقب أسرهم على أيدي داعش يواجهون أزمة صحية بدنية ونفسية.
وأشار التقرير كذلك: في حين أن كابوس ماضيهم قد تلاشى، تظل الصعوبات قائمة في وجه هؤلاء الأطفال.
ويكشف التقرير الذي يتألف من 56 صفحة التحديات الهائلة التي يواجهها الآن ما يُقدّر بـ1992 طفلاً عادوا إلى أحضان عائلاتهم بعد أن أقدم مرتزقة داعش على اختطافهم، وتعذيبهم وإرغامهم على المشاركة في القتال، واغتصابهم، وتعريضهم للعديد من الانتهاكات الأخرى المروعة لحقوق الإنسان.
وقال نائب مديرة برنامج الاستجابة للأزمات – القضايا المواضيعية في منظمة العفو الدولية مات ويلز: إنه “في حين أن كابوس ماضيهم قد تلاشى، تظل الصعوبات قائمة في وجه هؤلاء الأطفال. وعقب تحمّلهم أهوال الحرب في سن مبكرة للغاية، يحتاجون الآن إلى مساندة عاجلة من السلطات في العراق ومن المجتمع الدولي لبناء مستقبلهم”.
وأضاف “يواجه الآن هؤلاء الأطفال الذين نجوا من جرائم مروّعة – إرثاً من الإرهاب، ويجب أن تحظى صحتهم البدنية والنفسية بأولوية في السنوات القادمة حتى يتسنى لهم الاندماج التام في عائلاتهم ومجتمعهم”.
ويبين التقرير أن العديد من الأطفال ضحايا أَسْرِ داعش لهم، مصابون بجروح أو أمراض أو إعاقات بدنية موهنة طويلة الأجل. وتشمل أكثر أمراض الصحة النفسية شيوعاً التي أُصيب بها هؤلاء الأطفال اضطراب ما بعد الصدمة، وحالة القلق، والاكتئاب. وتشمل الأعراض والسلوكيات التي غالباً ما تظهر عليهم: السلوك العدواني، واستحضار الماضي، والكوابيس، والانطواء الاجتماعي، والتقلب المزاجي الحاد.
أزمة صحية بدنية ونفسية
ويشرح في التقرير العاملون في المجال الإنساني، ومهنيو الصحة النفسية، ومقدمو الرعاية، منظمة العفو الدولية بالتحديات المعينة لفئتين من الأطفال الضحايا: عن أن الأطفال المجندين سابقاً والفتيات تعرّضن للعنف الجنسي على يد داعش.
وذكروا بأنه قد تعرض آلاف الفتيان الإيزيديين الذين وقعوا في أسر داعش للتجويع، والتعذيب، وأرغموا على المشاركة في القتال. ونتيجة لذلك من المرجح أن يعاني هؤلاء مشاكل صحية أو إعاقات بدنية خطيرة، مثل فقد أذرع أو سيقان.
وغالباً ما يُعزل الفتيان الإيزيديون لدى عودتهم؛ إذ إن عائلاتهم ومجتمعاتهم يجدون صعوبة في الإقرار بما مروا به من تجارب إبان أسرهم. وغالباً ما تعرضوا على يد داعش للدعاية المكثفة، والتلقين العقائدي، وأُخضعوا للتدريب العسكري الذي يهدف عمداً إلى محو هويتهم، ولغتهم، وأسماءهم السابقة.
ويردف التقرير أن من أصل الـ 14 طفلاً الذين جندوا قسراً سابقاً مع داعش، ممن أُجريت مقابلات معهم، أبلغ أكثر من نصفهم منظمة العفو الدولية أنهم لم يتلقوا عقب عودتهم أي شكل من أشكال الدعم، سواء النفسي، أو الاجتماعي، أو الصحي، أو المالي، أو خلافه.
شهادات حية تروي حياتهم الأليمة في ظل داعش
ضمن التقرير تمت الإشارة إلى شهادات لأطفال، ومنهم ساهر، الذي جُنّد قسراً في سن الخامسة عشرة من قبل داعش وقال: “أرغمت على القتال، كنت مجبراً وإلا كنت سأموت. لم يكن لدي خيار آخر، كان الأمر خارجاً عن إرادتي، وشاركت في القتال كي أبقى على قيد الحياة. إنه أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي إنسان، وأشدّه إهانة … -عقب عودتي من الأسر- ما كنت أبحث عنه هو فقط شخص ما يهتم بي، ويُقدم لي شيئاً من الدعم، ويقول لي: أنا هنا من أجلك… هذا ما كنت أبحث عنه ولم أجده قط”.
وتعرضت الفتيات الإيزيديات لمجموعة واسعة من الانتهاكات خلال أسر مرتزقة داعش لهن، بما في ذلك العنف الجنسي. وتعاني الفتيات ضحايا هذا العنف من مجموعة من المشاكل الصحية المختلفة.
وقالت رندا البالغة من العمر 14 عاماً التي ظلت في أسر داعش طيلة خمس سنوات: ” كنت طفلة عندما أجبروني على الزواج، لقد جعلوني أعاني. أريد أن يكون مستقبلي أفضل، أريد أن يُحاسب مرتزقة داعش عمّا فعلوه بي”.
بينما نوهت إحدى الطبيبات التي قدمت منظمتها رعاية طبية ونفسية اجتماعية لمئات النساء والفتيات الضحايا ضمن التقرير بأن كل فتاة تقريباً عالجتها بين سن التاسعة والسابعة عشرة قد اغتُصبت أو تعرضت لضروب أخرى من العنف الجنسي. وتبين لمنظمة العفو الدولية أن الخدمات والبرامج المتوافرة حالياً لضحايا العنف الجنسي قد أهملت الفتيات إلى حد كبير.
ووصف نائب مديرة برنامج الاستجابة للأزمات – القضايا المواضيعية في منظمة العفو الدولية مات ويلز: قائلاً: “إن هؤلاء الأطفال تعرضوا بصورة ممنهجة لأهوال الحياة تحت سيطرة داعش، وتُركوا الآن يعيدوا بناء حياتهم. ويجب إعطاؤهم الدعم الذي هم بأمس الحاجة إليه لإعادة بناء حياتهم كجزء من مستقبل الطائفة الأيزيدية”.
الحصول على التعليم وبواعث قلق أخرى
حُرم الأطفال الإيزيديون الضحايا من التعليم الدراسي الرسمي خلال السنوات التي أمضوها في الأسر. ويفوّت العديد منهم الآن البرامج المتوافرة للتعلم السريع إما لأنهم لا يعلمون بوجودها أو لأن البيروقراطية المفرطة تثنيهم عن ذلك. وبالنتيجة يفضل العديد من الأطفال الضحايا الخروج من نظام التعليم بالكامل، بيد أن الخبراء الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم يتفقون على أن الالتحاق بالمدارس ضروري لمساعدة الأطفال الضحايا للتغلب على الصدمة التي أُصيبوا بها.
قالت نهلا، وهي ضحية تبلغ من العمر 16 عاماً: “عقب عودتي إلى المدرسة أصبحت الأمور أكثر طبيعية وشعرت بتحسّن، فيحتاج المرء إلى المدرسة لبناء مستقبله”.
عاد العديد من الأطفال الإيزيديين الضحايا وهم يتحدثون العربية بدل الكردية، وهذا ما حال دون إعادة اندماجهم الكامل مع عائلاتهم ومجتمعهم. ويرزح أيضاً العديد من الأسر – التي تعاني العوز أصلاً – تحت أعباء ديون ثقيلة عقب اضطرارها إلى دفع عشرات آلاف الدولارات كفدية لضمان إطلاق سراح أطفالها.
واختتم نائب مديرة برنامج الاستجابة للأزمات – القضايا المواضيعية في منظمة العفو الدولية مات ويلز: قائلاً: “قبل حلول الذكرى السنوية السادسة لهجوم داعش على الإيزيديين، ينبغي على السلطات في العراق والمجتمع الدولي أن يفعلوا غاية وسعهم لضمان تقديم تعويض كامل عن انتهاكات حقوق هؤلاء الأطفال وتقديم الدعم الذي هو من حقّهم”.
زارت منظمة العفو الدولية إقليم كردستان في العراق من 17 إلى 27 شباط 2020 وأجرت مقابلات مع 29 ضحية وقعوا في أسر داعش كأطفال، و25 فرداً من أفراد العائلات التي تتولى رعاية الأطفال الضحايا، و68 خبيراً ومسؤولاً، بينهم أطباء، ومعالجون نفسيون، وموظفون في منظمات غير حكومية، ومسؤولون في الأمم المتحدة، ومسؤولون حكوميون.
هذا التقرير يوثق مدى تغاضي الجهات المعنية والعالم أجمع عن العمل على معالجة الحالة النفسية لهؤلاء الأطفال ودمجهم في المجتمع وإعادتهم لطبيعتهم، ومحاولة التقليل من الأضرار النفسية والجسدية التي لحقت بهم إبان أسرهم وتجنيدهم لدى داعش، وتبقى تلك الفاجعة الأكثر ألماً في العصر الحديث بحق الشعب الإيزيدي الكردي، الذي مورس بحقه كل أنواع القتل والتعذيب والتهجير بدون أي محاسبة حقيقية تذكر حتى الآن من العالم أجمع.