روناهي/ قامشلو- عندما تُذكر كلمة “الطب” فإن أول ما يتبادر للذهن هو “الإنسانية” بكلِّ معانيها، فهي عمل ومهنة ومهمة إنسانية قبل كل شيء، ولكن للأسف فإن شريحة من الأطباء في مدينة قامشلو تتعمّد استغلال المراجعين من المرضى من خلال توجيههم لشراء الأدوية من صيدليات معينة؛ وإجراء التحاليل في مخابر يُحددونها ويفرضونها على مرضاهم، بعيداً عن أخلاق المهنة الأكثر إنسانية في العالم، وعدم وجود أية ضوابط أو قوانين تمنعهم من القيام بهذا الأمر.
مهنة الطب التي كان من الواجب أن تكون السند للمريض، في مناطقنا باتت عبئاً يُثقِل كاهل المواطن، بحيث يفرض بعض الأطباء كما ذكرنا آنفاً على المريض شراء الأدوية من صيدلية محددة وإجراء التحاليل في مخابر معينة، بحجة أن الأدوية هناك متوفرة وتطابق الوصفة التي كتبها للمريض، وبخصوص المخابر بأن نتائجها مضمونة ومؤكدة، ولا يهم أن كان صاحب الصيدلية سوف يبيعهم الدواء بثمن غالٍ، وإن كانت تلك التحاليل باهظة الكلفة أو لا، وسط خوف المريض من إهمال الطبيب له ولحالته في حال خالف كلامه أو بوصف أدق أوامره؟؟!!.
لماذا كل طبيب يثق بصيدلية أو مخبر معين؟؟؟
ولكن هنا نتساءل لماذا كل طبيب يثق بصيدلية أو مخبر معين؟ أليس هذا الأمر يثير الشكوك حول ارتباط ذاك الطبيب بالصيدلية أو المخبر الذي يطلب من المريض الذهاب إليه حصراً؟!
وقد لمسنا حالة الخوف الواضحة على المراجع لدى الأطباء، فقد حاولنا أخذ آراء شريحة كبيرة من المواطنين رفضوا التحدث لنا بسبب الخوف منهم، حتى إنه حصلت طرفة “حزينة” معنا بحيث جلسنا بجانب امرأة مُسنّة كانت قادمة من ناحية “تربه سبيه” لمراجعة طبيب في مدينة قامشلو، وتحدثنا إليها قليلاً لكي نستوضح منها هل تعرضت هي أيضاً لهذه المشكلة، وقبل فتح جهاز التسجيل حدثتنا وبكل صراحة وقالت: “لقد أرشدني الطبيب لهذا المخبر (..) بالذات” وكانت تجلس قبالته، فقلنا لها هل لكِ أن تحدثينا عن ذلك؟ ولكن حين فتحنا جهاز تسجيل الصوت ترددت ثم غيرت كل كلامها فيما بعد وقالت: “أراجع هذا المخبر لأنه قريب من عيادة الطبيب فقط؟؟!!”، وقبلها كما ذكرنا كانت تقول غير ذلك؟؟؟.
“لا قوانين لدينا تردعهم بهذا الخصوص”
وبهذا الخصوص راجعنا هيئة الصحة في إقليم الجزيرة إن كان هناك معايير وضوابط وقوانين لديهم تمنع الطبيب من هذه التصرفات البعيدة والمنافية لأخلاق مهنة الطب؟ فذكروا بأن القضية إنسانية وضميرية، وأشاروا بالقول: “نبهنا كثيراً الأطباء في الاجتماعات والجلسات الخاصة ولكن لم يأبهوا لكلامنا، وهناك بعض الأطباء يقومون كما ذكرتم بإجبار المواطن لشراء الأدوية من صيدليات محددة وعمل تحاليل في مخابر معينة، ولكن لا قوانين لدينا تردعهم بهذا الخصوص”.
وهنا نتساءل من سوف يضمن حقوق المريض عندما يتم التعامل معه بهذه الطريقة؟ وهل هو مجبر لمراجعة صيدلية أو مخبر معين بالرغم من أن الأسعار لديهم قد تكون باهظة وسط تدهور الحالة الاقتصادية لأغلب المواطنين في مناطقنا بسبب ارتفاع أسعار الدولار والمواد الغذائية بشكلٍ عام.
وحول ارتباط بعض الأطباء بالمخابر والصيدليات نتيجة مصالح مادية مشتركة بينهم أشار المواطن ر. م؛ من مدينة قامشلو في بداية حديثه لصحيفتنا روناهي بالقول: “والدة زوجتي كانت مريضة وجاءت من الحسكة إلى طبيب عصبية في مدينة قامشلو، والذي قال لنا بعد أن عاينها بأنه يشك في مرض معين، وقال لها يجب أن تراجعي طبيب دموية ليُشخّص حالتك بشكل أوضح، وبعد ذهابنا إلى طبيب الدموية، وهو أيضاً موجود في مدينة قامشلو قال يجب أن نجري لها تحليلاً معيناً، وبعد إجراء التحليل المطلوب قال لها ودون أن يكترث لصحتها النفسية وبشكل مباشر وحتى قبل أن يتأكد: “أشك بأن معك سرطان في الدم”، وكلامه كان كصدمة بالنسبة لنا لأن هذا المرض خطير، فكيف كان وقع هذا الخبر السلبي على نفسيتها، كما أصبحنا بحيرة من أمرنا وتساءلنا كيف لهذا الطبيب أن يكتشف أنها مصابة بالسرطان، رغم إن التحليل لم يكن يخص السرطان ولا يرتبط به؟”
المُضحك المُبكي..!
ولكن الأسوأ من ذلك بحسب تعبيره موقفهم حين طلب منهم إجراء تحليل يوجد فقط في ناحية عامودا وبمخبر معين، وأردف ر. م بالقول: أن الطبيب عاد وطلب منهم “لنتأكد يجب أن يُجرى تحليل معين، ويوجد بشكل حصري في ناحية عامودا والمخبر الفلاني (…) أي حدده بالاسم”، وهنا ونتيجة ثقتنا بكلامه ذهبنا إلى المخبر الذي حدده لنا، وأخذ منا المخبر جراء التحليل مبلغ 32 ألف ليرة سورية، ومن المضحك المبكي أن المرضى الذين كانوا في المخبر بعامودا قالوا لنا: “نحن نأتي إلى مدينة قامشلو لأجل إجراء التحاليل، وهذه المرة الأولى التي نجد فيها مرضى يأتون من قامشلو لعامودا لأجل إجراء التحاليل!!!”، وبعد كلامهم ذاك راودني الشك وقلت بأن عليَّ التأكد من الأمر فذهبت إلى مخبر “أ.س” بمدينة قامشلو، حيث أكد لنا المخبري فيها بأن “هذا التحليل يوجد في معظم المخابر بقامشلو، وأن كلفة التحليل نصف القيمة التي تقاضاها مخبر عامودا”، كما بيّن المخبري “بأن هذا التحليل بالتحديد يتطلب ظهور نتائجه أسبوع على الأقل فكيف ظهر في يوم واحد؟!”.
وبعد أخذهم التحليل إلى الطبيب الذي كان ُيشرف على حالتها قال لهم بأنه جراء نتائج التحليل استبعد احتمال سرطان الدم معها، وقال بأنه “أصبح يشك في أن لديها سرطان في المعدة”، ونوه ر. م بالقول: “وبعد أن رأيت عدم صدق الدكتور وفشله أيضاً في تشخيص المرض حوّلناها إلى طبيب آخر في الحسكة الذي أكد لنا بأن لديها فقر في الدم واستبعد احتمال وجود مرض السرطان معها”.
وفي ختام حديثه طالب المواطن ر. م هيئة الصحة بإقليم الجزيرة بضرورة وضع قوانين لردع هكذا أطباء “يتاجرون على حساب المرضى”، مبيناً بأن الكثير منهم مرتبطين بمخابر وصيدليات معينة نتيجة الجشع المادي، ولا يهمهم أوضاع المرضى الصحية والمادية وحتى المعنوية، لذا يُتطلب من الهيئة الوقوف بشكل جدي وصارم على هذا الموضوع المنتشر بكثرة في مناطقنا على حد تعبيره.
لُقِب الطبيب قديماً بالحكيم لأن الحكمة تشمل العلم والمعرفة وعلى وجه الخصوص أخلاقيات العمل الطبي الإنساني وليس الربحي، وحينما نجد بأن بعض الأطباء أصبحوا يفكرون فقط بكمية الأموال التي سيجنونها يومياً من المرضى ولا يأبهون بشفاء المرضى الذين يقصدونهم تفقد هذه المهنة هدفها السامي ورسالتها الإنسانية، وكذلك يصبح المجتمع في خطر مُحدق، فهل سنجد قوانين صارمة بحق مثل هؤلاء الأطباء الذين استغلوا هذه المهنة النبيلة لأجل مصالحهم الشخصية من قِبل المعنيين في إقليم الجزيرة في القريب؟؟؟.