الحرب الخاصة تعمل على تحقيق أهدافها عبر استخدام كافة الوسائل، المادية والمعنوية، بغرض قتل إرادة الطرف الآخر وخلق حالة من التشاؤم وعدم الثقة بالنفس واللامبالاة وصولاً إلى اليأس وانهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع، أي أنها تهدف إلى خلق الضبابية والتشويش العقلي والمعرفي عبر الإصرار على نشر الأكاذيب والدعايات والمبالغة في الأمور، كما يسعى المشرفون والمخططون لهذا النوع من الحروب إلى التأثير على القلوب والعقول وتوجيهها حسب مصالحهم.
إن ما يقوم به الآن تحالف AKP – MHP الحاكم في تركيا بحق شعوب منطقة الشرق الأوسط والعالم عموماً والشعب الكردي على وجه الخصوص، يندرج في إطار هذه الحرب الخاصة، حيث تسعى دوائر الحرب الخاصة التركيّة وتعمل بشكلٍ مستمر ومتواصل على بث روح التفرقة وخلق الفتن بين جميع شعوب الشمال السوري وتأليب بعضها على بعض، إلى جانب محاولة زرع النزعة العنصرية الشوفينية في نفوس أبناء المنطقة، وإذكاء النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية من أجل الوصول إلى مبتغاها في احتلال سائر مناطق روج آفا وشمال وشرق سوريا عموماً، وصولاً إلى الموصل وكركوك.
بعض أنواع الحرب الخاصة
يندرج في إطار الحرب الخاصة كلٌّ من (الحرب الإعلامية – الحرب النفسية – الحرب الأيديولوجية – الحرب الاستخباراتية).
الحرب الإعلاميّة
كما هو معروف، الإعلام له دور هام في مسألة تحويل قضايا مهمة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، إلى قضايا رأي عام ويساهم ويساعد في إيجاد حل عادل لهذه القضايا الجوهرية التي تمس حياة المجتمع، لكن بالمقابل هناك دور قذر وقبيح جداً لوسائل الإعلام المرتبطة بالأنظمة والسلطات المهيمنة وأصحاب النفوذ ورؤوس الأموال، بحيث تصبح تلك الوسيلة الإعلامية أداة لخدمة النظام وأزلامه وتعمل على تحشيد المناصرين له لتوجيه الرأي العام بالسير لصالح القضايا التي يتبناها هذا النظام وتجميل وجهه وتسعى أيضاً لتشويه صورة المناضلين والقادة الثوريين لدى مجتمعاتهم من خلال نشر الأكاذيب عنهم للنيل من سمعتهم.
وما يتعرض له بعض المناضلين الثوريين في مناطقنا نموذج لهذا الدور القبيح لبعض وسائل الإعلام، هذا إلى جانب فرضها التعتيم الإعلامي على كل ما يتعلق بعمل المعارضة الحقيقية التي تتبنّى مصالح الشريحة الأكبر من الشعب؛ ألا وهي الجماهير الكادحة، بالإضافة إلى تضليلها للجماهير البسيطة وغير السياسية وتوجيهها باتجاه لا توجد مصلحة لها فيه، كما أنها تقوم عادةً بتضخيم الأحداث التي تصب في مصلحتها وتبالغ فيها.
الحرب النفسيّة
تعمل على تحطيم معنويات المجتمع من خلال زعزعة ثقته بنفسه أولاً، ومن ثم بقواته المدافعة عن حقوقه، كذلك تسعى دوماً لبعثرة جهود القوى السياسية للمجتمع والعمل على جعلها تتناحر فيما بينها. كما تعمل على زرع فكرة عدم شرعية وعدالة القضية التي تسعى القوى الثورية لتحقيقها، إضافةً إلى عملها على تشتيت حلفاء وأصدقاء الشعب وكسب المترددين منهم إلى جانبها، وتستخدم لأجل ذلك كل الوسائل المتاحة وأهمها، الدعاية السياسية، وذلك من خلال العمل على خلق مجموعة من المعارضة الشكلية التي يصنعها النظام بنفسه ويزرعها داخل الشعب لكي تعمل ضد مصالح الشعب.
الحرب الأيديولوجية
تسعى القوى المُعادية لتحرر الشعوب والقوى المهيمنة على أنظمة الحكم دوماً إلى زرع الأفكار والمبادئ التي تعمل على تحطيم المجتمع وإنهائه، حيث نراها تُحارِب الفكر الثوري من منطلق أن زمن الأيديولوجيات قد ولّى، وأن هذا الزمن هو للإنسان وحماية حقوقه وتأمين احتياجاته وفق مبادئ وقيم شكلية ليبرالية أنانية تنهي المجتمعات. القول بأن عصر الأيديولوجيات قد انتهى هو بحد ذاته أيديولوجية تهدف إلى زرع الشقاق بين أفراد المجتمع وإنهاء التلاحم والتعاون الموجود بين أبنائه، سواء في الأسرة أو الحي أو حتى العمل، والمجتمع الذي لا يكون لديه أيديولوجية يسير وفقها سوف يتخبط ويضيع ويصبح مثل الدجاجة التي يتم قطع رأسها فتتخبط يميناً ويساراً وهي تحتضر إلى أن تموت.
الحرب بمفهومها العام هي استخدام مُنظّم للمعدات العسكرية الصلبة المادية والتكتيكية بهدف فرض سيطرة وهيمنة طرف على آخر وإخضاعه والتحكم به وفق مصالح المنتصر الخاصة وبموجب الشروط التي يضعها في الحرب، أما الحروب الإلكترونية والباردة والساخنة والاقتصادية الدارجة الآن كالحصار وفرض العقوبات؛ ما يميّز هذه الحرب عن الحرب التقليدية العسكرية هو الآتي:
ـ لا يتم الإعلان عنها رسمياً.
ـ ميزانيتها ليست ضخمة وتستخدم الأدوات المدنية التي تستنزف طاقات الطرف الآخر.
ـ نتائجها كارثية على الطرف الآخر كونها تستهدف فئة الشباب والنساء بالدرجة الأولى وتهدم لديهم القيم والمبادئ المجتمعية.