No Result
View All Result
المشاهدات 0
أحمد اليوسف –
لأن الأدب هو لسان المفكر الناطق، والذي يترجم صورة واقعهِ الفكري والبيئي والأخلاقي ، فإذا أردنا مثلاً العودة إلى الترجمة وأغراضها نجد أنها تعودُ لأيام الوالي محمد علي في مصر والذي استحضر بدورهِ المطبعة إلى مصر وأرسل البعثات لترجمة العلوم العسكرية وغيرها، وبعد إحداث مدارس لتعليم اللغات بدأت ترجمة الأدب التي غالباً ما كانت تأخذ الطابع الذاتي والجهد الشخصي بسبب احتكاك البعض بالغرب وانبهارهِ بآدابهم، والبعض الآخر كان مدفوعاً من جهات غربية لأهداف وغايات تستهدف الفكر العربي لبث السموم فيه وسمعنا الكثير عن الخلفيات السياسية لبعض هؤلاء الأدباء الذين صدّروا لنا هذهِ الثقافات، فأصبح الأدب الغربي ورمزيته وسرياليته ومذاهبه النقدية هو الأصل؛ في حين أنّ الأدب العربي يفيضُ بالمؤلفات الأدبية العربية التي انتشرت عالمياً وعلى سبيل المثال لا الحصر (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعرّي التي أنجبت جحيم دانتي (الكوميديا الإلهية) وكتاب (الديوان الشرقي) وهو مختارات من الشعر العربي ترجمها “جوته” و مقامات أبي القاسم الحريري…
أما على صعيد المذاهب والنظريات النقدية فلدينا مذهب طه حسين في النقد ومذهب أحمد أمين في النقد الموضوعي ومذهب أمين خولي في فكرة وصل الفن بالحياة ومحمد مندور ونظريته في الشعر المهموس والأمثلة كثيرة، ليأتي قائل وينكر باسم الحداثة هذا الموروث الضخم والعظيم.
نحن لا ننكر أهمية التأثر بحركة التجديد والانفتاح على الآخر، لكن شريطة عدم الانغماس في التقليد والمحاكاة العمياء، وعدم التمييز بين الصالح والطالح من الأدب الغربي بما يراعي خصوصيتنا الثقافية والحضارية فالأدب وليد بيئته وللأديب الحق في اتباعه، لكن ليس له الحق أن ينكر علينا موروثنا الأدبي واتهامنا بالتقليدية و(الكلاسيكية) التي لا نعلم لمَ أصبحت تهمة أصلاً وهي مذهب قائمٌ.
ونجد الحداثة عند كثر ترتبط بمفهومين، الأول هو مفهوم الشطط الأخلاقي الذي يبث الايديولوجيا الغربية المتحررة من الضوابط الأخلاقية بحكم البيئة؛ وقد يتجاوزه للشطط العقائدي، وبالتالي يصدّر أفكاراً مشبوهة ويعبث بفكر جيلٍ كامل، ليشغل الشباب بسفاسف الأمور وهذا من أكثر الأمور خطورة على شعوبنا، لأنّ الشباب هم صنّاع المجتمعات القادمة وشبابٌ بلا أخلاق يعني كارثة حقيقية على مجتمعه، وللأسف لاتزال بعض الحكومات الشرقية تمارس رقابتها السياسية على الكتب دون الانتباه للاستعمار الفكري،
أما المفهوم الثاني فهو الابن المدلل للكثير من أدباء ونقاد هذا الزمان وهو مفهوم “الإغراق” في الرمزية والسريالية والتي غالباً ما تكون مفهومات هشّة تتخفى بقناع التركيب والتعقيد ولكن المضمون مفرّغ من أي معنى، وأكثر الناس انبهاراً بهذا النوع هم الأقل معرفة وإدراكا لأنهم بمجرد عدم فهمهم للنص يظنّونه أعلى من مستواهم الفكري.
من المؤسف أنْ نرى هؤلاء المغالين في (الحداثة) يجحدون ثقل موروثنا الأدبي، في حين أن الصفوة من مفكري أوروبا ينصفونه، ويجدر بنا في هذا الموضع أن نذكر وفاء الكثر من المشتغلين في المجال الأدبي للموروث من خلال الحفاظ على الأصالة و تزيينها بلمسة الحداثة المعتدلة والمعاصرة التي تتناسب مع مجتمعاتنا من خلال دعم حركات التجديد وتوأمتها بالحرية المسؤولة.
No Result
View All Result