د. علي أبو الخير
ظهر مصطلح الإسلام السياسي كتعبير غربي استشراقي، لوصف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام الراديكالي، ويشير المصطلح إلى مجموعة واسعة من الأفراد أو الجماعات، الذين يرون أن للإسلام نظام حكم سياسي، مُتمثل في ضرورة إقامة الخلافة الإسلامية، وتمتلك الخلافة النظام التشريعي والجنائي المتمثل في الشريعة الإسلامية، ويدافعون عن تشكيل الدولة والمجتمع، وفقًا لفهمهم للمبادئ الإسلامية، وللإشارة إلى النشاطات واسعة النطاق للأفراد والمنظمات المؤيدة لتحويل الدولة والمجتمع ككل للاستناد لمرجعية من القوانين الإسلامية كما يفهموها.
لقد أخذ المسلمون التدين السياسي من رجال الحكم والسلطة؛ فاعتقد المسلمون أن الخلافة من ضمن العقائد الدينية، وأن من مات وليس في عنقه بيعة ومات تكون ميتته جاهلية، ودام ذلك الفهم للإسلام عند المسلمين حكاماً ومحكومين، فمنصب الخلافة إذن ارتبط بالمفهوم السياسي الديني للسلطة الحاكمة، وهو لب ما عُرِف حديثاً بالإسلام السياسي، بالإضافة إلى ظهور مفكرين وحتى رجال دين يطعنون في منصب الخلافة وقداستها، واتهموا كل الخلفاء من أمويين وعباسيين وعثمانيين بالاستبداد وتشويه المعارضة والحصار الاقتصادي لها.
الخلاقة العثمانية ورثت الاستبداد وورّثت التطرف
كل حركات التطرف المنسوبة للإسلام تتفق على التزامهم بإعادة الخلافة، رغم أن الخلافة العثمانية الأخيرة الساقطة عام 1924 كانت تستخدم الدين لفرض احتلالها واستبدادها؛ ولكن تلك الحركات المتطرفة ترى أن السلطان الغشوم خير من الفتنة التي تدوم كما يزعمون؛ لا تشذ فرقة منهم، إخوان مسلمين وداعش وبوكو حرام والقاعدة وغيرهم.
ولقد سطع نجمهم منذ السبعينات بأموال النفط السعودية حاملين الفكر التكفيري وتم إنفاق ما يُقارب 76 مليار دولار خلال حوالي ثلاثين عاماً اعتباراً من عام 1979 حتى عام 2013 كما رصدنا ذلك خلال أبحاث منشورة في مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة؛ لأن عام 1979 هو عام الغزو السوفييتي لأفغانستان؛ وقام المال النفطي ودعم المخابرات الأميركية بتجنيد الشباب المسلم لما سموه الجهاد في سبيل الله؛ وأنهم يقفون مع أميركا لأنهم أهل الكتاب ضد السوفييت الكفار؛ في أكبر خدعة إمبريالية صهيونية في التاريخ؛ هي خدعة لمن قالوا إنها الصحوة الإسلامية.
الإسلام السياسي والأصوليّة
لا بد من التمييز والتفريق بين الإسلام السياسي والإسلام الفطري، ولمس الاختلاف بين الإسلام كدين، والسلوك الاستبدادي كخاطف للدين، عبر أجواء التاريخ.
وعموماً لم يتوقف الزمن ولا ماتت فكرة الخلافة، ولا تلاشى الداعون إليها، فحاول بعض المسلمين إحياء الخلافة، ومن هنا ظهر ما عُرِف في العالم الغربي بالإسلام السياسي، جماعات الإسلام السياسي، وأول من ظهر من تلك الجماعات، كانت جماعة الإخوان المسلمين، وتلتها الجماعات السلفية والسلفية الجهادية، ومنهم من جعل الدعوة دموية إرهابية، ولكن في العقيدة يتفقون جميعاً على تحريم زيارة القبور والاستماع للموسيقى وغيرها من المحرمات الجماعاتية المشهورة.
أردوغان ومستقبل الإسلام السياسي
الفكرة لا تختفي ولا تموت، إذا وجدت من يرعاها ويتبناها، ومن ثمّ نرى أن جماعات الإسلام السياسي تعيش في شتات جغرافي وسبات شتوي، ولكنه غير مُميت، فقط حدث كسل فكري وهمود وقتي لتلك الجماعات؛ وتكمن الآن حركات التطرف؛ هم لا يملكون حرية الحركة؛ التي تظل بعيدة عن النشاط على الأقل في المستقبل المنظور، بعد أن جفت أموال النفط في بلاد المنشأ السعودي/ السلفي.
كما انحسر الدور التركي؛ بعد أن فشل أردوغان في استغلال ثورات الربيع العربي، خاصةً إنه احتضن الجماعات المتطرفة، لأنه اعتقد إنه يمكن إعادة الخلافة العثمانية بصورة جديدة بعد أن جاء الفريق الإخواني إلى السلطة في مصر وتونس؛ واعتقد أنه يكون المرجع الأكبر لفرق التطرف الحاكمة؛ ولكن خاب مسعاه، وعاد صاغراً لمصر وطرد الجماعات وأغلق أبواقهم الإعلامية، وهو أمر أسهم في كمون التيارات المتطرفة؛ أي أن أردوغان أحد أسباب فشل المشروع الجماعاتي في المستقبل القريب.
والشيء بالشيء يُذكر، نقول إنه توجد وثائق متعددة على تاريخ الإسلام السياسي في أوروبا واستغلال المخابرات الأميركية لنشطاء تلك الجماعات المتطرفة، كما نرى في كتاب “مسجد في ميونخ”، للمؤلف الأمريكي “إيان جيبسون”، حيث ذكر أن الزعيم النازي “إدولف هتار” قام بالموافقة على بناء وتأسيس مسجد للمسلمين في مدينة ميونخ، ومعه إذاعة موجهة للمسلمين في الاتحاد السوفييتي للثورة على النظام السوفييتي، ولكن وبعد هزيمة هتلر، ظل المسجد كما هو، ولكن برعاية مخابراتية أميركية، وموجه أيضاً لمسلمي الاتحاد السوفييتي، لوقف المد الشيوعي، ثم تحوّل المسجد في مدينة ميونخ الألمانية إلى مفرخة للفكر التكفيري الذي انتشر في كل مكان، وهو أيضاً نفس ما جاء ما جاء في كتاب” النبي والفرعون” للكاتب الفرنسي “جيلز كيبل”، بالإضافة إلى ما كتبه مؤرخون ومفكرون عرب مثل “محمد أركون” و “رفعت سيد أحمد” و:جمال البنا” و”فهمي هويدي” و”محمد حسنين هيكل”، وما جاء في موسوعة “مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية” وكثيرون غيرهم يفوقون الحصر.
وفي النهاية نرى أن مستقبل الإسلام السياسي غير واضح الملامح بعد كمونهم الإرادي، ولن نجد الجماعات كما كانوا من قبل نشيطين منذ سنوات قلائل، هذا رأينا صواب يحتمل الخطأ، كما قال الإمام الشافعي.