د. علي أبو الخير
بعد خصومة طويلة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توفي السياسي ورجل الدين التركي فتح الله غولن يوم 20 تشرين الأول 2024 في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان يُقيم، ولم يسمح رجب طيب أردوغان بدفنه في تركيا، ليُدفن في الغربة حيث كان يُقيم، وبالطبع لم يفوت أردوغان الفرصة ليشمت في وفاة إنسان؛ رغم أن الإسلام يرفض الشماتة في الموت؛ ولكن أردوغان شمت بقسوة السلاطين العثمانيين؛ الذين قتلوا الأبناء والإخوة في سبيل السلطة؛ كما فعل سليم الأول وسليمان القانوني؛ وغيرهما من سلاطين آل عثمان.
تحدث أردوغان قائلاً: “إن فتح الله غولن لاقى «ميتة مشينة» وإنه يجسد الشر في هيئة البشر… وسنواصل كدولة كفاحنا بعزم حتى يتم القضاء على (حركة غولن) تماماً”.
ولا نعرف معنى ميتة مُشينة؛ فالموت هو الموت، وتتعدد الأسباب والموت واحد؛ وحركة فتح الله غولن ليست أولى حركات المعارضة في تركيا ولن تكون الأخيرة؛ وفي حالتنا نجد أن النفاق الاجتماعي والسياسي هو الذي واكب سيرة كل من أردوغان وغولن، وهي سيرة المُستبدين باسم الإسلام زوراً وإفكاً.
اتهامات المُنافقين
لو تمكّن غولن من السلطة لسجن أردوغان أو قتله أو نفاه؛ فعلى الرغم من أن غولن كان حليفاً مُقرباً من أردوغان في السابق، لكن الرجلين اختلفا منذ بدأ الرئيس التركي يستشعر الخطر من حركة غولن؛ لقد دعم غولن أردوغان في سنوات حكمه الأولى منذ 2003 قبل أن يختلف معه فيما بعد، حيث ظهرت الخلافات علناً بينهما منذ أواخر 2013، بعد أن كشف قُضاة قيل إنهم من أنصار غولن فضيحة فساد داخل أجهزة الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، وحينها طالت فضيحة الفساد عدداً من المُقربين من أردوغان، ومن بينهم نجله بلال وقال معارضو غولن إنه طالب باختراق المجتمع التركي ومؤسساته.
ويُذكر أن حركة “خدمة أو خدمت” كانت تنادي حسب مؤسسها غولن، بالإسلام الاجتماعي الحداثي. لكن؛ الحكومة اتهمتها بالسعي إلى تأسيس دولة موازية داخل تركيا، وكما ذكرنا فإن الخلاف بين الرجلين هو خلاف على السلطة؛ بين الحاكم والمعارض السياسي وهي حالة نفاق كبيرة موجودة في تركيا منذ الخلافة وحتى اليوم.
لا يشفع لغولن إنه مفكر ديني صوفي مُستنير؛ كما وصف نفسه؛ لقد كان المنظّر الفكري لسياسة أردوغان؛ ولكن طموحه السياسي (رغم زهده الصوفي المُصطنع) هو من قاده إلى الصدام ثم النفي.
وعندما حدثت محاولة الانقلاب الفاشلة على سلطة أردوغان عام ٢٠١٦؛ سارع باتهام غولن؛ رغم أن كل الدلائل تُشير إلى أن الاحتقان الشعبي داخل الجيش التركي هو سبب محاولة الانقلاب؛ ولا يوجد دور كبير لغولن؛ وهنا ظهر النفاق السياسي والديني.
المكر السلطاني والنفاق الديني
المكر السلطاني يكون ضد الحاشية وأيضاً ضد الشعب، ليدوم السلطان في الحكم، وهو ما فعله رجب أردوغان ضد فتح الله غولن، ولذلك ظهر النفاق في صورة دينية، علماً أن النفاق الديني مثل النفاق السياسي يأتي من ضعيف لقوي، من أقلية للأغلبية، وإذا كان النفاق السياسي له خطورة على تماسك المجتمع، فإن النفاق الديني أخطر وأفتك وأكثر دمويّة، وقد يختلط النفاق الديني بالسياسي، ويستغل البعض النفاق الديني من أجل الوصول لمنصب الخليفة أو الأمير أو الملك أو السلطان، وهو ضمناً الوصول للنفاق السياسي.
ولو طبقنا هذه المفاهيم المنافقة على العلاقة بين أردوغان وغولن؛ عرفنا إن غولن نافق أردوغان عندما تحالفا معاً؛ واستغل أردوغان غولن وسخّره لخدمته؛ وعندما بدأ طموح غولن يظهر، حدث الخلاف بينهما؛ ثم نجح أردوغان في أبعاد رؤية غولن، ليعيش غولن في المنفى الأميركي.
رؤية فتح الله غولن لحقوق الشعب الكردي
الحقيقة الواضحة هي أن رؤية فتح الله غولن للقضية الكردية مطابقة لرؤية رجب أردوغان، فلا فرق بين حزب سياسي أو حزب ديني مثل الفضية والرفاه والعدالة، هم جمعاً يرفضون منح حق تقرير المصير للشعب الكردي، منذ كمال أتاتورك وحتى أردوغان، مروراً بعدنان مندريس وغيره.
لا نملك سوى الترحم على فتح الله غولن؛ رغم خلافنا مع سيرته؛ فلا شماتة في الموت كما فعل أردوغان؛ وفي النهاية نرى أن الترحم على الأموات من شيم الأقوياء المؤمنين الصادقين…