زجّت أنقرة بالمرتزقة السوريين في ميادين عديدةٍ خارج سوريا وفقاً لأجندة مصالحها، إلا أنّ حربَ الكردِ تتعلقُ بدوافع عدوانيّة وحقدٍ تاريخيّ، وإذا كانت أنقرة طيلة قرن تحاربُ الكردَ باستخدام قواتها المسلحة إلا أنّ حكومة العدالة والتنمية انفردت باستخدام المرتزقة السوريين؛ بهدف زيادة عديد القوات التي تحارب والتخفيف من عدد ضحاياها العسكريين، إذ تخشى تداعيات مقتل جنودها وعودتهم مُحملين بالنعوش عبر الحدود أمام الرأي العام،
وتتطلع إلى تقديم أيّ إنجازٍ على أنّه من صنع قواتها المسلحة.
تحقيق غير مُعلَن حول وجود مرتزقة في باشور كردستان
كشف مصدر مطلع، الاثنين 2 أيلول 2024، عن فتح تحقيق غير معلن في تسريبات إعلامية حول جود مرتزقة في بعض مناطق إقليم كردستان.
وقال المصدر لـ”بغداد اليوم”، ان “الأجهزة الأمنية الاتحادية تتابع منذ أيام تسريبات إعلامية تتحدث عن رصد مرتزقة تم جلبهم من قبل الاستخبارات التركية ونشرهم في بعض المرتفعات الجبلية في إقليم كردستان خاصةً المناطق القريبة من الشريط الحدودي من جهة دهوك”.
وأضاف أن “بغداد تدرك خطورة أي مسعى بهذا الاتجاه وهي تحاول الوصول إلى أدلة وبراهين موثقة من أجل التعامل معها”، لافتاً إلى أن “جلب مرتزقة لأي سبب يعني تحويل المنطقة إلى مسرح للفوضى وحالة عدم الاستقرار وهذا يشكل تهديداً مباشراً لمنظومة الأمن بشكل عام”.
وأوضح إنه “لا يمكن الجزم حالياً بوجود مرتزقة إلا بعد التأكد من كل المعلومات وفق المسارات الاستخبارية التي ستحدد الصورة الحقيقية لما يحدث في مرتفعات إقليم كردستان”.
وتداول ناشطون ومدونون عراقيون معلومات حول نقل الجيش التركي قرابة 500 عنصر مما يُعرف بـ”جبهة النصرة”، من الجانب السوري إلى الجانب العراقي لدعم تواجدها على الأراضي العراقية.
شهادات تؤكِد إِرسال مرتزقة سوريين
في لقاء على قناة العربية الحدث مساء الأحد 1/9/2024 أكد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوريّ لحقوق الإنسان على أنّ تركيا أرسلت /٥٠٠/ مرتزقاً من ميليشيات “فرقة السلطان مراد، والسلطان سليمان شاه/ العمشات) إلى جبال قنديل في إقليم كردستان، للقتال إلى جانب القوات التركيّة ضد حزب العمال الكردستاني. ونقل موقع روج نيوز، الأحد، إفادات من أهالي قرى تابعة لقضاء آميدية في محافظة دهوك في إقليم كردستان، بوجود مرتزقة سوريين في جبال المنطقة، مُعربين عن تخوّفهم من إقدامهم على ارتكاب مجازر بحق الأهالي.
ووثّق الصحفيّ الكُردي “هونر أحمد” عبر مقطع مصوّر مجموعات مسلّحة من المرتزقة السوريين ينتشرون بأوامر من الاستخبارات التركيّة في مناطق إقليم كردستان، بهدف المشاركة في القتال إلى جانب الجيش التركي ضد مقاتلي حزب الـعمال الكردستانيّ.
وأخبر سكان من قرية بلافي التابعة لقضاء آميدية بمحافظة دهوك الصحفيّ هونر أحمد، أنّ عناصر يرتدون لباس جيش الاحتلال التركيّ تحدثوا معهم باللغة العربيّة، وقدّر سكان القرية عدد المرتزقة السوريين الذين وصلوا إلى جبال المنطقة بنحو 600 ـ 700 عنصراً، وأشاروا إلى أنّه تمَّ منع الهواتف المحمولة عنهم، ويستخدمون السيارات المدنيّة للتنقل بين القرى.
كما أبدى سكّان المنطقة تخوّفهم من ارتكاب المرتزقة السوريين المنتشرين في جبال إقليم كردستان انتهاكات جسيمة ومجازر بحق المواطنين الكرد، كما فعلوا في عفرين وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض.
وفي مطلع تموز الماضي كشف موقع Spee Media الإخباريّ عن سجلات مرتزقة داعش الذين تم نقلهم إلى إقليم كردستان لمحاربة المقاتلين الكُرد بالشراكة مع الدولة التركية، وجاء الكشف بعد تقارير عن تدريب هؤلاء المرتزقة في عفرين المحتلة ونقلهم لاحقاً إلى مناطق مثل متينا وآميدية بمحافظة دهوك، وضم تقرير موقع Spee Media الإخباري، ومقره بإقليم كردستان، عن سجلات أكثر من 800 من مرتزقة داعش، مع صورهم وأسمائهم.
السؤال المطروح هل يمكن للمرتزقة السوريين الانتشار وقرى وبلدات إقليم كردستان دون علم حكومة الإقليم؟ وبفرض أنّها لم تعلم بنفسها، إلا أنّ المعلومات حول وجودهم متضافرة وتداولتها العديد من المصادر والتقارير الإعلاميّة، ليبقى السؤال حول موقف حكومة الإقليم معلقاً، وبخاصةٍ مع شكوى المواطنين الكرد في الإقليم.
رواتب مُرتفعة للقتال في جبال إقليم كردستان
في 22/7/2024 أفادت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن السلطات التركيّة زجّت بمئات المقاتلين للقتال كمرتزقة ضد “حزب العمال الكردستانيّ” في جبال كردستان العراق، حيث دفعت بهم للقتال هناك مقابل إغراءات ماليّة مستغلة الظروف المعيشية القاسية وانخفاض مستوى الرواتب التي تُقدم للعناصر من قبل مرتزقة “الجيش الوطني”.
وبحسب المرصد فقد بدأ المرتزقة بالمشاركة الفعلية بمعارك عنيفة في الجبال وسط معلومات عن وقوع عدد منهم أسرى بيد “حزب العمال الكردستاني”. ووفقاً للمصادر، فإن من أبرز مجموعات المرتزقة المشاركة هي “الحمزات والسلطان مراد”، والسلطان سليمان شاه”، وهي المجموعات ذاتها التي شاركت خلال الفترات الماضية بالقتال بأوامر من سلطات الاحتلال التركي في القتال في ليبيا وأذربيجان ومؤخراً في النيجر، إذ تواصل سلطات الاحتلال التركيّ تحويل السوريين إلى مرتزقة للمشاركة بالقتال في معارك خارج حدود سوريا.
في 15/8/2024، قال المرصد السوريّ لحقوق الإنسان إنّ مصادره كشفت ارتفاع عدد المرتزقة الذين جنّدتهم أنقرة للقتال في جبال إقليم كردستان العراق إلى أكثر من 550 عنصراً. هذا الارتفاع جاء بعد إرسال تركيا دفعة جديدة مكونة من 150 عنصراً، وتركز السلطات التركية بشكلٍ خاص على العنصر التركماني في عمليات التجنيد لمواجهة “حزب العمال الكردستاني” في الإقليم.
ووفقاً لمصادر المرصد، تتراوح الرواتب التي تدفعها تركيا للمرتزقة في إقليم كردستان العراق بين 2500 و3000 دولار أمريكي شهرياً، وهو أعلى بكثير من الرواتب التي قُدمت في تجنيد المرتزقة للقتال في ليبيا، أذربيجان، والنيجر سابقاً. تهدف تركيا من خلال هذه الرواتب المغرية إلى تشجيع المقاتلين على الانضمام إلى جولات القتال الجديدة.
وفي 22 تموز الماضي، بدأ هؤلاء العناصر بالانخراط في معارك عنيفة في جبال كردستان، وسط تقارير عن وقوع عدد منهم في الأسر لدى “حزب العمال الكردستاني”. وحتى الآن، لم ترِد معلومات مُؤكدة عن القتلى أو المصابين.
مرتزقة داعش في دهوك
في 23/7/2024، أشار مركز توثيق الانتهاكات إلى أنّه في خطوة جديدة أثارت الكثير من الجدل، جنّدت الحكومة التركية آلاف السوريين، من بينهم عناصر سابقين لدى داعش، للقتال كمرتزقة في الأراضي العراقية. وتزعم الحكومة التركية أن هذه الخطوة تهدف إلى القضاء على تهديدات حزب العمال الكردستاني. وهي واحدة من الحجج التي سبق واستخدمتها لاحتلال مدن سوريا وتهجير سكانها وقيادة عمليات تغيير ديمغرافية شاملة فيها.
وذكر المركز تفاصيل التجنيد والنقل، وقال إنّه وفقاً لمصادر موثوقة، بدأت تركيا بتجنيد مقاتلين سوريين منذ عدة أشهر، مستغلة الفقر والبطالة المتفشية في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المدعومة من أنقرة في شمال سوريا. ويتم تدريب هؤلاء العناصر وتجهيزهم بأسلحة ومعدات عسكرية قبل نقلهم إلى العراق، وأغلبهم ينتمون لمجموعتين تركمانيين هما: فرقة الحمزة وسليمان شاه وهما خاضعان للعقوبات الأمريكيّة.
وأشار مركز توثيق الانتهاكات استناداً إلى مصادره أنّ وجود أكثر 300 مرتزقاً قاتلوا سابقاً في صفوف “داعش” بين هؤلاء المجندين، وأنّهم استقروا في منطقة “برواري بالا” بمحافظة دهوك في إقليم كردستان، ويتخذون من القواعد العسكرية التركية هناك مقرات لهم.
وجود سابق للمرتزقة
في 29/5/2021 ذكر موقع حزب الاتحاد الديمقراطيّ شن جيش الاحتلال التركي منذ أيامٍ هجمات احتلالية على مناطق الدفاع المشروع بجنوب كردستان (شمال العراق)، وبعد الهزيمة التي تلقاها في (غاري)، قام الاحتلال التركي بنقل مرتزقته من عناصر المجموعات التابعة له بشمال سوريا والذين شاركوا في معارك ليبيا وأذربيجان إلى الأراضي التركية ومن ثم زجتهم في معركته ضد حركة حرية كردستان، وتم إحضار نحو ألف 1000عنصراً من مرتزقة مجموعات ما يُسمى بالجيش السوري الحر إلى القاعدة العسكرية التركية بزاخو. وتأكيداً لهذا الأمر أفادت مصادر من الشمال السوري المحتل بأن جيش الاحتلال التركي زج بعناصر من مرتزقة ما يُسمى (الجيش الوطني) في حربها ضد حركة حرية كردستان بإقليم كردستان شمالي العراق، وأكدت تلك المصادر أن هؤلاء المرتزقة (بعد أن تلقوا تدريبات عسكرية داخل الأراضي التركيّة) يرتدون زي عناصر الجيش التركي أثناء مشاركتهم في الهجمات الاحتلالية، مبينةً أن تركيا أدخلت بداية العام الجاري 500 عنصراً من الحزب التركستاني و350 عنصراً من مرتزقة سليمان شاه (العمشات) إلى معسكرات تدريبية داخل تركيا، وأن هؤلاء العناصر هم من يقاتلون إلى جانب الجيش التركي في العملية العدوانية شمالي العراق.
في 29/4/2021 ذكر مركز توثيق الانتهاكات نقلاً عن مصادر محلية في مدينة إعزاز إنّ ثلاثة جثث للمرتزقة السوريين الذين جندتهم تركيا في حملتها الأخيرة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، قد دخلت عبر معبر باب السلامة، وحولتهم إلى المشفى العسكري في مدينة إعزاز (ريف حلب) تمهيداً لدفنها. وأكد المصدر أنّ أحد القتلى السوريين من ريف دمشق فيما البقية من مدينة حلب، قتلوا في منطقة متينا شمال العراق (إقليم كردستان العراق).
وهذه المرة الأولى التي يقتل فيها مرتزقة سوريين جندتهم تركيا للقتال في صراعها الداخلي، فسبق وأن جندت تركيا المرتزقة للقتال في ليبيا وفي أذربيجان.
وشن جيش الاحتلال التركيّ في 23/4/2021 هجوماً بريّاً وغارات جويّة في عملية عدوانية أُطلِق عليها “مخلب البرق”، على المناطق الحدودية (زاب، آفاشين، متينا) تعرضت خلالها لخسائر كبيرة بحسب المركز الإعلاميّ لقوّات الدفاع الشعبيّ HPG، الذي أعلن في 29/4/2021 في بيان إنّهم ألحقوا خسائر فادحة بصفوف الجيش التركيّ وقتلوا في عملياتهم 23 جنديّاً تركيّاً، وجاء ذلك عقب فشل عملية سابقة في شباط 2021 وأسفرت عن مقتل 12 جندياً تركيّاً وانتقاد الجيش التركي وأردوغان لسوء التخطيط والتنفيذ.
تمارس سلطات الاحتلال التركيّ مزيداً من الضغوط على المرتزقة السوريين لتجنيدهم في الحرب في إقليم كردستان؛ ذلك لأنّ الحرب هناك مختلفة عن القتال في سوريا وليبيا التي شكّل عمليات السرقة والتعفيش عامل إغراء كبير فيها، كما أنّهم يُدرِكون أنّ أنقرة تستخدمهم بعد الخسائر الفادحة في قواتها وإمكانية النجاة فيها ضئيلة جداً، ولهذا رفعت أنقرة سقف الرواتب للمجندين في هذه الحرب.
المرتزق في القانون الدوليّ
المرتزق هو حامل البندقية المأجورة، الذي ليس لديه قضية وطنيّة أو أخلاقيّة، وإنما يُقاتِل لصالح من يدفع له، وإذ يتذرع المرتزقة السوريين بظروف المعيشة وحالة الغلاء للانضمام إلى طوابير الارتزاق والقتال لصالح أجندة أنقرة، فإنّ الصحيح أكثر أنّ أنقرة وجدت ضالتها في هؤلاء، فالقضية تتجاوز تأمين مصدر الدخل إلى الجريمة بمعناها الأخلاقيّ والقانونيّ والوطنيّ، ولا يمكن تبريرها، وقد انخرط المرتزقة في المناطق التي يحتلونها في سوريا في الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان وارتكبوا جرائم يرتقي توصيفها إلى جرائم الحرب وفق تقارير حقوقيّة ودوليّة وإعلاميّة.
يُعرّف البروتوكول الإضافيّ الأول المرتزق على إنّه أيّ شخص عل أن تنطبق ستة شروط وهي:
ــ يجرى تجنيده خصيصاً محلياً، أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح.
ــ يشارك فعلاً ومباشرةً في الأعمال العدائية.
ــ يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
ــ ليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.
ــ ليس فرداً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
ــ ليس موفداً في مهمة رسميّة من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه فرداً في قواتها المسلحة.
وبحسب القاعدة 108 من القانون الدولي الإنسانيّ العُرفيّ ليس للمرتزقة الحقّ في وضع المقاتل أو أسير الحرب وفقاً للتعريف الوارد في البروتوكول الإضافيّ الأول ولا يدانون أو تصدر أحكام في حقهم دون محاكم مُسبقة.
كلّ الشروط الواردة في القانون الدوليّ تنطبق على المرتزقة السوريين الذين نقلتهم أنقرة إلى إقليم كردستان.