أوضح الناشط السياسي، الدكتور أحمد الدرزي أنَّ حلَّ الأزمة السوريّة يكمن في اتّفاق سوريّ – سوري حول مستقبل البلاد، مشيراً أن الشعب السوري “تَعِبَ من حجم الكارثة” التي حلّت بسوريا خلال سنوات الحرب التي مضت؛ جاء ذلك في حوار خاص لوكالة فرات للأنباء مع الطبيب والناشط السياسي، أحمد الدرزي؛ حول الأوضاع في عفرين وعموم الشمال السوري، إلى جانب الحديث عن الأزمة السوريّة وسبل إيجاد حلول سياسيّة لها وإنهاء معاناة الشعب السوري.
وجاء الحوار على الشكل التالي:
ـ كيف تُفسرون الصمت الدولي حول الوضع في “عفرين” حالياً، خاصّةً أنّ العالم كلّه يعلم كيف كانت تنعم بالأمان قبل الاحتلال التركي وانتهاكاته لحقوق الإنسان؟
لقد أثبت المجتمع الدولي من خلال الكثير من المواقف بما فيها قضية عفرين أنه لا يبحث سوى عن المصالح الذاتية، ولا يهتم لقضايا حقوق الإنسان وحقوق الشعوب المُستضعفة سوى من منظار تحقيق المزيد من المكاسب عبر استغلال قضاياهم وتسخيرها لصالحهم، ويجب ألا يعول أحداً على مواقف الغرب بشكل عام. المجتمع الدولي له أولويات كما أن تركيا لها مشاريعها، تركيا تحقق للمجتمع الدولي أطماع لها أبعاد جيوسياسية في المنطقة. كل استراتيجيات دول الغرب مبنية على ركيزتين، الأولى: كيف تحقق أمن إسرائيل أولاً؟ وثانياً: كيف سيبقون تركيا ضمن حلف الناتو؟ وهذا كون تركيا تعتبر ومن الناحية الجغرافية صلة الوصل بين آسيا وأوروبا، وتحتل مكانه تطل على دول الشرق من ناحية أخرى وأيضاً تأثيرها على روسيا من خلال الجاليات الإسلامية والقوميات هناك.
ـ منحت روسيا الضوء الأخضر لتركيا لاحتلال عفرين وبدوره لم يتدخل النظام السوري لإنقاذها، بينما نراه يتحرّك لإعادة سيطرته على إدلب، كيف تقيّمون هذا التناقض بين حالتي عفرين وإدلب؟
الأمر يتعلق بتقاطع المصالح ما بين دول المنطقة، فالروس يراهنون على إمكانية سحب تركيا من حلف الناتو وضمها إلى منظومة شنغهاي، حيث إن تركيا في هذه المراهنة تشكل ثقلاً كبيراً بالنسبة للصين وروسيا وأوروبا وأمريكا، بحكم موقعها الجيوسياسي والجغرافيا الواسعة التي تتوسط هذه الدول، وكسوق صرف وربط بين تلك الدول، لهذا السبب الجميع يضعون تركيا في خانة الأولويات بجميع السياسات. وتركيا هنا مستفيدة من احتياجات جميع الأطراف المتناقضة، فتستغل هذه الحاجات في تحقيق مصالح النظام الحاكم لها. هنا نشاهد صمتاً من قِبل جميع القوى العالمية في قضية عفرين، حتى تتوضح ميول تركيا وتقاربها مع القوى المختلفة، أيضاً قضية إدلب مثال على ذلك، فعلى الرغم من وجود اتفاقات بين الروس وتركيا، لكن على الأرض الأتراك يتهربون من تطبيق بنود الاتفاقية ويتلاعبون بالروس. على الرغم من أن روسيا تدرك عدم جدية وقدرة تركيا على تطبيق الاتفاق ومحاولات التعطيل والتهرب من مسؤولياتها، بانتظار متغيرات زمنية في المنطقة تتغاضى عن الوجود التركي في إدلب وعفرين وباقي المناطق، المشكلة معقدة للغاية، وفي النهاية على روسيا أن تقرر مع من تبني علاقاتها وتراعي مصالحها المستقبلية مع سوريا أو تركيا، تحقيق هذا التوازن، يحتاج إلى وقت حتى تتوضح فيها الاصطفافات.
ـ روسيا تحاول إعادة سوريا إلى سابق عهدها كنظام قومي مركزي كما كان، فهل من الممكن أن يحصل هذا؟
الشعب السوري تعب كثيراً من حجم الكارثة خلال هذه السنوات الطويلة من الحرب، ربما تدوم هذه الأزمة عاماً أو اثنين أو ربما أكثر، النظام السوري ومن خلال شرعيته في الأمم المتحدة يستطيع أن ينادي ويطالب بفرض هيمنته على المناطق السورية كافة. لكن؛ هل تستطيع العودة بتلك القوة وبالعقلية نفسها قبل عام 2011، وأنا أرى بأن دمشق وقامشلو بحاجة إلى الوصول لنقطة توافق وحل مشترك يرضي جميع الأطراف، بشكل تعود فيه كل المناطق كما كانت بما يحقق مطالب جميع النسيج الاجتماعي السوري المحقة والشرعية، وهذا هو ما يجب أن يعمل عليه الجميع. العودة إلى الصراع والحرب لن يكون جيداً في كل الأحوال، وما نلاحظه اليوم أن جميع الأطراف التي سعت إلى تدمير هذا النظام، الآن تبادر إلى التفاوض والحوار معه وتعلن أن دمشق تساهم في حل الخلافات ولكن يضعون شروطاً، في حين أنهم في السابق كانوا يرفضون النظام والتفاوض معه مطلقاً. بمعنى آخر، يقبلون بما كانوا يرفضونه سابقاً، وبحكم دعم إيران والروس للنظام، بات قادراً على التمدد وبسط سيطرته على باقي المناطق، لكن ليس بالضرورة أن يكون الوضع كما كان ويمارس السياسات السابقة نفسها التي لم تعد مقبولة بالمطلق. هناك نقطة هامة أخرى، وهي وجود حرص من قِبل الإدارة الذاتية وحكومة دمشق فيما يتعلق ببذل المجهود لعدم الوصول إلى نقطة صدام مباشرة بين الطرفين.
ـ في إطار حلّ الأزمة السورية، وعلى ضوء تصريحات دي مستورا الذي أوضح أن جنيف غير قادرة على إيجاد حل حتّى الآن، ما الضرورات المرحلية لتحرير عفرين وإدلب ونشر الديمقراطية وإيقاف الحرب؟
الحل الأمثل هو اتفاق سوري – سوري على رؤيا ومستقبل أفضل لأجل كل السوريين وهو الحل لقطع الطريق على تدخل القوى الخارجية التي لا تبحث سوى عن مصالحها، وهذا ممكن إذا ما بادر الطرفان (دمشق ـ وقامشلو) نحو الحوار، فهم الوحيدون القادرين على إيجاد صيغة حل للأزمة وحسم قضية التدخل الخارجي، وفي حال فشلا، فمن الطبيعي أن تعود القوى الإقليمية والدولية إلى التدخل في الأزمة وتعميقها وإيصال الطرفين إلى الصدام المباشر، وهذا ما لا نرغب فيه وما لا ترغب فيه جميع الشعوب في سوريا.