سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أثر أحداث نيويورك وواشنطن 2001 على القضية الكردية

د. علي أبو الخير_

ثلاثة وعشرون عاماً، مضت منذ ضرب برجي التجارة ومبنى البنتاغون في نيويورك وواشنطن يوم 11 أيلول 2001، ومنذ ذاك التاريخ تغيّر وجه العالم، خاصةً في منطقة الشرق الوسط، فقد انطلق الوحش الأمريكي ليضرب أفغانستان، ثم يحتل العراق ويفكك جيشه، وتتضرر القضية الفلسطينية بما هو معروف ومتداول.
جانب كردي غير مرئي
ولكن الجانب غير المرئي، هو الضرر الذي حاق بالقضية الكردية كأثر غير مباشر. لأحداث نيويورك وواشنطن، ولم يتناوله أغلب المحللين الاستراتيجيين، رغم أن الضرر فادح، مازالت القضية الكردية تعاني منه حتى اليوم، رغم أن الشعب الكردي لا ولم ينتج إرهابيين، كما إن القائد عبد الله أوجلان تم اعتقاله قبل ضرب برجي التجارة بعامين اثنين فقط، واستخدمت الورقة الكردية العراقية لحصار العراق وصدام حسين.
وقبل ذلك تعرّض الكرد لخيانات أمريكية متعددة منذ الحرب العالمية الثانية، خاصةً في العراق وتركيا، ولا نُطيل الحديث عن تلك الخيانات، إلا فيما يتعلق بما حدث بعد تفجير برجي التجارة في نيويورك وواشنطن وما قبلها بقليل، فقد رعت أمريكا اتفاقاً بين صدام حسين، ممثلاً ونائباً عن الرئيس أحمد حسن البكر وشاه إيران رضا بهلوي في الجزائر في كانون الأول 1975، بما يُعرف باتفاقية الجزائر، فقام الشاه بالتخلي عن دعمه لكرد العراق، بمباركة من إدارة الرئيس الأميركي الجديد جيرالد فورد.
طعنات التسعينات
كما تعرّض كُرد العراق لأكثر من طعنة أمريكية في الثمانينات والتسعينات، وإدارة الرئيس رونالد ريجان التزمت الصمت على استعمال بغداد أسلحة كيماوية إقليم كردستان بالعراق.
أما إدارة جورج بوش الأب، فقد شجعت العراقيين الكرد والشيعة العرب، على التحرك ضد بغداد بعد حرب الخليج عام 1991 ثم تخلت عنهم، ودعا بوش نفسه الجيش العراقي والشعب العراقي إلى تولي زمام الأمور بأنفسهم، لإجبار الديكتاتور صدام حسين على التنحي، لكنه لم يفعل الكثير عندما هب الشيعة في جنوب العراق والكرد قرب حدود سوريا.
أمريكا والخيانة البرزانية
غير أن أمريكا في الوقت نفسه؛ فرضت حظراً جوياً، سمح بانتعاش الكرد في إقليم كردستان بالعراق في النصف الثاني من عقد التسعينات، وقوبِل هذا الصعود للمولود الكردي بتنسيق سوري ـ تركي ـ إيراني لمنع تحوّلهم إلى دولة كرديّة على الحدود تلهم أبناء جلدتهم في هذه الدول، مدعومين بالحماية الأمريكية، خاصةً في الدولة التركية.
وبعد أحداث 11 أيلول2001 أمر الرئيس جورج بوش الابن بغزَو العراق، وحصل تنسيق مع الكرد وقياداتهم السياسية البرزانية، وباتوا بين الرابحين الرئيسيين من تغيير النظام العراقي، ولو لتاريخ مؤقت.
ولكن المؤسف إن الأسرة البرزانية لم تُعطِ أي اهتمام للقضية الكردية، وتركت النظام التركي يتدخل في باشور كردستان “شمال العراق”؛ لملاحقة ومطاردة أعضاء حزب العمال الكردستاني والمدنيين الفارين من بطش تركيا لهم، ورغم أنهم عزّل من السلاح.
والحقيقة أن البرزانيين أخذوا بنصيحة الأمريكان لخدمة النظام التركي، خاصةً أن تركيا سهّلت للجيش الأمريكي ضرب العراق من القاعدة الأمريكية (انجرليك) المقامة في الأراضي التركيّة، وبالتالي خدمة المشروع التركي ترضيةً لرئيس الوزراء آنذاك والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وتم فتح المطارات التركية عام 2003 لضرب واحتلال العراق، ثم القضاء على الحلم الكردي في تركيا، وهو حلم بوجود حكم ذاتي موسع للكرد، أو اعتماد النظام الكونفدرالي، والسماح للكرد بتعليم لغتهم وثقافتهم والاحتفال بأعيادهم القومية، ولم يتحقق ذلك بعد أن ساعدت أمريكا أردوغان، وبعد أن خشي أو تحالف أردوغان معهم في عام احتلال العراق.
وأما عن المحاولة البرزانية للاستقلال عام 2017، فقد فشلت، عندما أراد مسعود البارزاني الاستفادة من دعم التحالف الدولي، الذي تقوده أمريكا، بالمضي خطوة في إقامة الكيان الكردي العراقي، فأراد تنظيم استفتاء لتقرير المصير واستقلال الإقليم، وكانت محاولة استعراضية.
لم تُكلّف أسرة البرزانيين نفسها عناء البحث عن رمز سياسي مُفكر فيلسوف، وهو بالفعل موجود في سجن تركي، وهو المفكر عبد الله أوجلان، الذي يتفق عليه ويلتف من حوله الشعب الكردي في كافة الدول، خاصةً في تركيا، والحقيقة أيضاً إن الأسرة البرزانية لو استلهمت فكر القائد أوجلان (الذي يحسدوه)، لتغير وجه المنطقة بأسرها، ولحظي الاستفتاء بالقبول الكردي العام، ثم جاءت الصدمة أو الخيانة، عندما أعلنت أميركا بوضوح تحفظها على هذه الخطوة الاستقلالية، ورفضها الجميع إرضاءً للرأسمالية الإمبريالية الأمريكية.
ويبقى في النهاية الاعتراف بأن الكرد هم الذين انتصروا على داعش، وأنهم يلتفون حول الزعيم أوجلان، بما يعنى التمسك بالحلم لتحقيق الحرية، بمشروع الأمة الديمقراطية… وهو مشروع الحرية البشرية لقوم يعقلون…