سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

آباء صغار.. يتجاوزون الحظر انتصاراً على الجوع

تقرير/ غزال العمر –

روناهي / جل آغا-  تتأرجح حياة السوريين في هذه الفترة بين كورونا وقانون قيصر مما سبب ظروفاً معيشيةً وإنسانية صعبةً يعاني منها المواطن السوري ويدفع ثمنها غالياً؛ عائلاتٌ تتضور جوعاً وتعيش وضعاً اقتصادياً صعباً بظل وباءٍ لم ينته بعد؛ أطفالٌ يحاربون الجوع فكسروا الحظر وخرجوا للعمل ساعين لتحقيق لقمة العيش التي باتت هماً كبيراً لهؤلاء الآباء الصغار الذين سرقت منهم الحرب طفولتهم، ليجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، الموت من الجوع أو الخوف من “كورونا”؟.
همٌ جماعي وأزمة حياتية مريرة يمر بها السوريون جميعاً فالحظر مفروض؛ لأسباب أمنية بحتة  خاصة بسلامة المواطن وحياته؛ ليتفاقم الجوع على مبدأ ينفذ من المرض لتصطاده يد الفقر؛ فيقف حائراً بين حياته وواجبه تجاه عائلته ونفسه!.
“اليوم الذي لا أعمل فيه ينام أخوتي جياعاً”!!!
وبهذا الصدد؛ قامت صحيفتنا “روناهي” بجولة في أحياء جل آغا؛ لنلتقي بأطفالٍ وُلِدوا رجالاً يعملون رغم الحظر العام المفروض؟ ليكون الجواب صادماً: “إذا لم أعمل لأسبوعٍ متواصل ستموت أمي وأخوتي من الجوع، والموت من المرض أهون بهذه الحالة، فمن العار أن أرى أخوتي يتضورون أمامي جوعاً”!!!،  بهذه الكلمات أجاب الطفل سامر حمدان المهجر من  سري كانيه/ رأس العين، البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، حيث يعمل في بيع الذرة المسلوقة على عربةٍ؛ تبرع له بها أحد الخيرين، فيبيع عليها السحلب في الشتاء والذرة في الصيف.
يقول حمدان عن سبب عدم التزامه بالحظر: “الموت مكتوب وكورونا ليست لعبة أو مزحة لكن لا خيار أمامي”.
بهذه الكلمات الموجعة تابع الطفل كلامه: “رحل أبي بأحد غارات الاحتلال التركي على سري كانيه، وترك لي حملاً ثقيلاً، واليوم الذي لا أعمل فيه ينام أخوتي جياعاً ولا خبز لدينا”.
الالتزام بالتدابير الوقائية أثناء العمل
“أضع الكمامة وألبس القفازات والمعقم رفيق جولتي المسائية في البيع على عربتي”، هذا ما قاله حمدان عن الخطوات الاحترازية التي يتبعها، وأضاف قائلاً: “لا يجوز التلاعب بحياة الأهالي، أفعل ما بوسعي للقيام بعملي موفقاً بين سلامتي وسلامة الأهالي، ولقمة عيشي؛ فعملنا ليس استهتاراً بالحظر وإنما انتصاراً على الجوع”.
أما عن طريقة عمله والتجهيز له فيقول الطفل سامر حمدان: “أقوم بشراء كمية من الذرة، حيث تقوم أمي بتجهيزها، وطبخها بوعاء كبير على النار، ولا أقوم بسلقها على الغاز كي أوفر على نفسي مصاريف أكثر”.
“صحة أبي لا تنتظر انتهاء الحظر”
أما فهد الجاسم فهو طفل من أهالي مدينة جل آغا يبلغ من العمر أحد عشر عاماً، يخرج في الصباح الباكر يحمل كيسا فارغاً؛ ليعود به مملوء بعلب المشروبات الغازية الفارغة “الفيفا” المعدنية والبلاستيكية؛ ليجمعها في بيته إلى أن تكبر الكمية فيبيعها؛ ليؤمن احتياجات أهله؛ فوالده رجل مريض ولا بد من مساعدته، لا سيما إنه يعاني من ضعف المناعة مما يجعله يخاف عليه، بحسب تعبيره.
ويتابع الجاسم: “كنت أعمل لدى معلم نجار ولكن بسبب الحظر خفت حركة عمله فُأجبرت على هذا العمل، فالأدوية غالية وصحة أبي لا تنتظر لينتهي الحظر” .
مناشدة للجهات المعنية: “الجوع كافر”
وفيما إذا كان عمله ذو مردود مادي جيد؛ أوضح فهد الجاسم بأنها تستر ولا تغني؛ لكن أفضل من العدم ومد يده للناس، على حد قوله.
وعما تمناه وطالب به الطفل فهد الجاسم فقد قال: “أريد أن أقول للجهات المعنية التي فرضت الحظر اهتماماً بصحتنا، اهتموا بطعامنا أيضاً فالجوع كافر”.
أما الطفل خالد الأسعد من ريف جل آغا ذو الأربعة عشر ربيعاً، يبيع العصير برفقة أخيه علي الأسعد ذو التسع سنوات، متجولين في شوارع المدينة قاصدين ورش البناء والأسواق في فترة رفع الحظر صباحاً.
يقول الأسعد: “عملت في هذه المهنة في صغري، والآن تجبرني الظروف على العودة لممارستها، عملي ضعيف المردود لكنه يغنيني عن السؤال”.
وتابع الأسعد حديثه عن وضعه المعيشي والأسري بأن والده مصاب بالسرطان وهو مع أخيه يتحملان مسؤولية مصاريف بيتهم ويعتنيان بأمهم وأخوتهم.
وعن أجر عمله وأخيه أردف الأسعد بالقول: “رغم ضعف المردود إلا أنه يؤمن خبزنا اليومي وهذا يكفي”.
أما عن ربحه الذي يجنيه من هذا العمل فقد تحدث علي الأسعد الأخ الأصغر شارحاً كيف يحسب ربحه بطريقة حسابية سريعة قائلاً: “نشتري أكياس العصير بمئة ليرة للكيس الذي يكفي لصنع سبع أكواب، كلّ كوب بمئة ليرة، وبذلك نربح فعلياً ٦٠٠ ليرة من كلّ كيس عصير”.
الفقر لم يمنعهما من مد يد العون!
وتابع علي الأسعد بأن ليراتٌ قليلة أفضل من اللا شيء، وأكد بالقول: “هذا لا يمنعني من أن أضيف الأهالي المحتاجين كوباً من العصير”، بهذه الكلمات أوجز خالد وعلي الأسعد عملهما الذي لا يخلو من الإنسانية رغم مرارة واقعهما، وصعوبته.
آباء صغار يواجهون مرارة الحياة بكل عزيمة وثبات هم لا يتجاوزون القوانين لكنهم يبحثون عن الإنصاف، والطريف الذي يندرج تحت إطار المضحك الباكي هرب هؤلاء الصغار عندما طلبنا منهم التقاط الصور ظناً منهم بأنهم سيعاقبون على كسر الحظر، فطوبى لكل طفل عاش رجلاً رغم صغر سنه، وتحمل مشقة الحياة بدلاً من أن يعيش طفولته كباقي الأطفال.