الثقافة والتغيير

تنقسم الثقافة إلى عموميات تطغى على الطابع العام للمجتمع بما فيه الأنماط المعيشية المختلفة وهي الهدف الأول للتربية، والهدف الثاني هو الخصوصيات التي تميز كل فئة أو جماعة عن الأخرى، وتظهر نماذج داخلية لثقافات مهنية عمالية وثقافات طبقية تميز بعض المجتمعات المنغلقة.

أما القسم الثاني من المتغيرات الثقافية المجتمعية فمنها المتغيرات الداخلية؛ وهي انتشار ثقافة جماعة أو فئة ما في المجتمع حتى يتسم بها وتطغى على الثقافات الأخرى وتصبح السمة الغالبة، والمتغيرات الخارجية التي تفد من الخارج عبر السياحة والوفود الثقافية والتبادل المعرفي ووسائل التواصل الاجتماعي حديثاً، حتى بات العالم الذي تحول لقرية صغيرة إلى ما يشبه المجلس الواحد.

 مع هذا التطور الكبير أصبح من السهل تصدير ثقافات واستيرادها بسرعة فائقة جداً، حيث سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بأن يصبح العالم أقرب بكثير من الأسرة ربما، ولذلك فإنّ أيّ عدو يريد أن يتغلغل ويؤثر في المجتمع، فسوف يستخدم هذه التقنية (الانترنيت)  لينشر الثقافة التي يريدها بين أفراد المجتمع، وعليه فإنّ، استخدام هذه التقنية يجب أن يكون مراقباً داخل المجتمع وتبدأ هذه المراقبة من الأسرة ليوجهوا أبناءهم على نهل ثقافة لا تفسدهم وتفسد مجتمعهم، وعلى فرض ثقافتهم ونقلها للشعوب الأخرى بدلاً من التقليد الأعمى لثقافات شعوب أخرى، وقد يقول قائل: هناك شعوب متطورة متحضرة جداً فما الضير من أن نأخذ من ثقافتهم ونقلدهم؟

ليس هناكَ ضيراً أن تنافسهم وتحاول أن تصل إلى ما وصلوا إليه من التقدم والحضارة، ولكن لا يعني هذا أن تنطلي ثقافاتهم كلها عليك، وأن تقلدهم تقليداً أعمى، لدرجة أنك تطمس تراثك وتاريخك وثقافتك التي اكتسبتها وورثتها من أجدادك فتنساها، وتصبح مقلداً تستورد ثقافات تسبب الانحلال في مجتمعك ووطنك، علينا أن نأخذ بحذر دون تقليد أعمى ودون أن ننسى ثقافتنا، وهناك جماعات داخل المجتمع قد تفرض ثقافتها فقط وتحاول نشرها دون مكونات أخرى، وهذا أيضا ليس بالموضوع السهل، لأن فرض ثقافة واحدة ونشرها يعني نسف ثقافات مختلفة، بل الأصح والأصلح أن تكون الثقافة حرة متكاملة لتنمو بكل مكونات الشعب وتحملهم إلى بر الأمان وإلى تقدم وازدهار.

إذاً الثقافة تغيير وتطور وهذا وارد وجيد، ولكن لا يجب أن تنطمس الثقافة وتنعدم لتحل محلها ثقافة مستوردة كلياً فهذا طمس لتاريخ كامل، هذا التطور والتغيير يجب أن يكون إضافة لا أن يحل محل ثقافة شعب عريق.

 التطور والتغيير ومواكبة الثورة المستمرة في المعلومات والتقدم العلمي والانساني يفترض حالة من الإبداع والتجديد المستمر والبحث عن مفردات ومصطلحات ومجالات جديدة تفتح آفاق معرفية ثقافية فكرية، وتشجيع المفكرين والعاملين في مجال الابداع بكل مجالاته والانفتاح على الثقافات الأخرى، وكذلك ايصال العالم صوت وصدى الثقافة التي نحياها منذ آلاف السنين، والتي تعد من أقدم الثقافات التي كانت مهد حضارات قدمت للإنسانية الكثير، وبقدر ما نحن بحاجة إلى الاطلاع ومعرفة ثقافات وعلوم العالم بقدر ما نحن بحاجة إلى تعريف العالم بثقافتنا والحفاظ عليها لأنها ينبوع الحياة الذي يتدفق بالأصالة والعراقة دون توقف.