تتعدد الأسئلة حول تأسيس حزب سوريا المستقبل في هذه الفترة بالذات وما هي الرسالة التي يحملها؟، فإن هذا الحضور الكثيف والذي يزيد على ثمانمئة مشارك من المناطق السورية كافة والتي يمكن الوصول إليها مع صعوبة التنقل فيها، واجتماعهم في مدينة الرقة التي تحررت بالأمس القريب من قبضة داعش التي أرادتها عاصمة لدولة الخلافة المزعومة؛ هذا الحضور والتمثيل المميز لكل شرائح المجتمع إنما يعني خطوة بالاتجاه الصحيح لإطلاق الحياة السياسية، وإحياء التنافس الديمقراطي على أرضية التعددية، والتخلص من هيمنة الحزب الواحد على المستوى السياسي أو الطرح الفكري الأيديولوجي. وهو بسعيه للتوجه لكلِّ السوريين على الأرض السورية يفتح الباب للمشاركة المجتمعية ونفي التهم الزائفة حول هيمنة مسار واحد أو قومية واحدة على النشاط السياسي. بدءاً من مناطق الشمال السوري والمناطق المحررة على يد قوات سوريا الديمقراطية، هذه القوات التي أثبتت أنها قوات تدافع عن الحرية لجميع السوريين، ويمكنها أن تحمي أي مشروع يعمل على وحدة الأرض والشعب السوريين، وأنها نواة الجيش السوري الذي سيكون حاميا لحدود البلاد بعيداً عن التدخل في الشأن السياسي الذي يجب أن يكون حكراً على المنافسة الديمقراطية بين القوى التي تمثل الجماهير؛ وتتلقى التأييد منهم، ويقبلون تمثيلها لهم عبر الوسائل الديمقراطية
إن قراءة التوقيت وحجم التدخل في المناطق السورية لا يستبعد وجود رغبات لدى القوى الموجودة على ساحة التأثير لتشكيل مثل هذا الحزب فالجميع يريد حزباً سياسياً جامعاً يمثل مكونات المجتمع ليمثل المناطق المستبعدة عن الحل السياسي في أية استحقاقات قادمة. ولذلك؛ حمل هذا الحزب في بيان تأسيسه رسائل سياسية تبدأ بالتأكيد على وحدة سورية أرضاً وشعباً ومواجهة أي توجُّه لتقسيم البلاد وقيام دولة تعددية لا مركزية بنهج ديمقراطي تضمن حقوق السوريين عبر إرساء العدالة وحقوق الإنسان وتطبيق القوانين من خلال سلطة قضائية مستقلة يُؤمن لها كل أسباب النجاح عبر إعادة القانون الأساسي للقضاء، وإعادة تشكيل القوى الأمنية لخدمة المواطن ومؤسسة الدفاع لحماية الحدود، وعبر عن الرغبة في السلام مع دول الجوار وإقامة أحسن العلاقات التي تقوم على أساس المصالح المشتركة، وعبر عن نقاط أخرى في المجالات الاجتماعية والاقتصادية ما لا يتسع له هذا المقال الضيق. ولكنه؛ مد يده لكل القوى الوطنية للعمل من غير إقصاء على تمكين البلاد من الخروج من أزمتها معبراً عن تطلعه لحل ساسي يوقف مسار الدم والحرب المهلكة ويفتح باب الحوار الذي يشارك فيه الجميع للوصول إلى سلام يمكن من بعده تحقيق أحلام الأهالي في العودة إلى بيوتهم وإعادة إعمارها وتمكينهم من المشاركة في تحقيق الاستقرار وعودة مؤسسات الدولة لتباشر عملها الخدمي وتنظيم الحياة
ببساطة هذه أهداف يمكن أن يدعو لها أي حزب ناشئ في سورية. لذلك؛ فالعبرة ليست في تسلسل الأهداف وإطلاق الشعارات، فلا بد من السعي للتنفيذ فورا من أقرب المواقع بما يصادق على هذه الدعوات ويكشف مصداقية مطلقيها. إن المستقبل لحزب المستقبل هو في التنظيم والعمل وحسن الاستجابة لتطلعات الأهالي والتواجد معهم في ظروفهم الصعبة، فلا بد من إطلاق المبادرات التي تبشر بولادة حزب جماهيري يُقيم المأوى للناس قبل أن يبني مقراته، ويخدم قبل أن يفكر أن يحكم
إن حزب سوريا المستقبل ليس بديلا عن أي كيان سبق وجوده في سوريا وفي مناطق الإدارة الذاتية بخاصة، ومشروعه لا يعني فشل المشاريع التي طرحت ونفذت ولو جزئيا في مناطق الإدارة الذاتية، إنما هو تعبير عن الديناميكية السياسية التي امتازت بها روحية العمل السياسي والتي تجاوبت دائما مع المتغيرات، وأثبتت أنها تعمل لخدمة الشأن العام لا لخدمة أجندات حزبية ضيقة. ولذلك؛ هي تعبر في كل مرة عن الحاجات الأساسية وتطرح الحلول لها من غير قيود، وتتماشى مع خدمة الصالح العام، وتُؤكِّد على أن كل ما قامت به كان تجارب مقدمة لخدمة التوصل إلى حلول إيجابية في المسألة السورية، وأنها قدمت التضحيات في سبيل ذلك لأن الغايات العظيمة التي تحملها نحو وحدة الشعوب والوصول إلى معنى الأمة الديمقراطية تحتاج لمساندة قوية متينة لا تنكسر إذا واجهتها الأحمال الثقيلة
