من 15 آب إلى 19تموز

آلــدار آمـد –

لقد عانى الشعب الكرديّ الكثير من الاضطهاد خلال تاريخه القديم والحديث، وبالرغم من أنَّ أرض الكرد كانت مهد الحضارة البشريّة، ثقافيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، إلا أنّ أصحاب هذه الأرض تعرّضوا لأكثر المجازر دمويّة ولأشرس الهجمات وحشيّة، وذلك بسبب غنى هذه البقعة الجغرافيّة بالثروات الطبيعيّة، فكان غناها مصدر بلاء على شعبها، لكثرة الطامعين بهذه الثروات، ولم يتمكنِ الشعب الكرديّ من الحفاظ على أرضه وممتلكاته، لأسباب ذاتيّة وتاريخيّة عديدة، منها ما يتعلق بالشعب الكرديّ نفسه، وأخرى خارجة عن إرادته، فقد تعرّضت أرض كردستان على أيدي القوى المستعمرة لمراحل من التقسيم آخرها تجزئتها إلى أربعة أجزاء بموجب اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، وإذ لم يقبل الكرد بواقع التجزئة والتقسيم انطلقت العديد من الثورات في المناطق الكرديّة مطالبة بوحدة أراضيهم من جهة وبالحرية والاستقلال من جهة أخرى، إلا أنّ هذه الثورات سُحقت بالحديد والنار من قبل الدول المحتلة لكردستان وبخاصة في تركيا العثمانيّة التي رفضت كلّ شكلٍ من أشكال الاعتراف بالوجود الكرديّ ، واستخدمت كلّ قوتها لمحو الكرد من على وجه البسيطة، وحاربت الثورات الكرديّة في كلّ منطقة من مناطق كردستان، وعملت على إبادة الشعب الكرديّ من النواحي الثقافيّة والاجتماعيّة والفكريّة، حيث منعت اللغة الكرديّة والزي الكرديّ وكلّ ما يمتُّ بصلة إلى الشعب الكرديّ، وكانت آخر مقولة لهم بعد القضاء على ثورة ديرسم عام 1938م أنّ الشعب الكرديّ وقضيته قد تمّ دفنهما تحت الإسمنت، ولن يبقى لها بعد الآن أيّ ذكر، ولكن شاءت الأقدار أن يخرج من رحم هذه الأمة العظيمة قائدٌ لم يعرف التاريخ مثيلاً له في قدراته وأفكاره، درس كلّ الوقائع المتعلقة بالقضية الكرديّة، وحلّل التاريخ من كلّ جوانبه، وتفهّم ما تشكّله الرأسماليّة والسلطة من تأثير على هذه القضية، ووضع النقاط الأساسيّة التي يمكن العمل بها لإحياء هذا الشعب من جديد، بعد أن أوصلته الرأسماليّة العالميّة إلى حافة الانقراض، مثلها مثل شعوب أخرى كانت تعيش في هذه المنطقة، وكانت نتيجة هذه التحليلات والدراسات انطلاقة قفزة 15آب التاريخيّة التي قادها المناضل معصوم قورقماز (عكيد)، لتعلن الولادة الجديدة للشعب الكرديذ الذي التف حول هذه الحركة وقائدها عبدالله أوجلان، وبالرغم من كل محاولات الفاشية التركية للقضاء عليها، وبالتالي تمكنت من إفشال جميع المخططات التي كان يُخطط لها أعداءُ الشعب الكرديّ لإبادته ومحوه من خارطة الشرق الأوسط.
إنّ الروح الثوريّة التي خلقتها قفزة 15 آب التاريخية لدى الشعب الكرديّ جعلت هذا الشعب في جميع أجزاء كردستان تلتف من حوله ووجدت فيها ثورة الحرية والحياة الجديدة ، فانضمّت قوافل الشباب إلى هذه الثورة من أرجاء الوطن كافة، ووحّد دم الشهداء أرض كردستان المجزأة، وهذا ما كانت تخشاه الفاشية التركيّة والغرب الرأسماليّ، لهذا عملوا بكلّ الوسائل للقضاء على هذه الثورة ولكن إرادة الشعب كانت أقوى من مؤامراتهم وأسلحتهم الفتّاكة.
مع انطلاقة ثورة 19 تموز في روج افا كانت البنية الفكريّة التي استمدتها من ثورة 15آب قد ترعرعت في روج آفا وانطلقت على دربها مستفيدة من التجارب التي مرّت بها، وبالتالي وحقّقت الكثير من المنجزات والمكتسبات، واستطاعت أن تكون ثورة اجتماعيّة سياسيّة نسائيّة اقتصاديّة، ومن ناحية أخرى تمكّنت من الحفاظ على وجودها في مناطقها وحماية شعبها وتنظيمه وإدارة نفسه، في الوقت الذي كانت المناطق السوريّة الأخرى تعاني من الدمار والحروب ، وكلّ ذلك بفضل الاهتداء بنهج وأفكار قفزة 15آب.