الديمقراطيّة أولاً

فوزة اليوسف –

باتتِ الأزمة الموجودة بالمنطقة تتفاقم أكثر فأكثر، الانهيار الاقتصاديّ الذي تعيشه تركيا بحيث فقدت الليرة التركيّة قيمتها أمام الدولار الأمريكيّ بنسبة قياسيّة وصلت إلى10% ما يعني خسارة ملايين الدولارات يوميّاً وباتت التداعيات تنعكس على كلّ نواحي الحياة لدرجة أصبح من الصعب الحصول على بعض الأدوية كما تؤكّد عليه بعض وسائل الإعلام. إلى جانب ذلك الوضع الاقتصاديّ لإيران التي تسير بنفس المنحدر وبخاصة بعد فرض العقوبات الأمريكيّة عليها. والوضع الاقتصاديّ السيء بالعراق والأزمة السياسيّة وعدم تشكيل الحكومة حتى الآن رغم مضي شهور على عملية الانتخابات أمرٌ مثير للخوف، إلى جانب هذا يعيش لبنان أيضاً أزمة سياسيّة واقتصاديّة. بالطبع لن أقيّم وضع الدول الأخرى مثل مصر وليبيا واليمن التي لا يختلف وضعُها كثيراً عن تلك الدول التي ذكرتها. وبالطبع هناك سؤال يجب أن نسأله كشرق أوسطيين ما هو السبب الذي يجعلنا نقع الواحد تلو الآخر مثل أحجار الدومينو؟ ما هو السبب الأساس لما نعيشه من أزمات؟ هل بالفعل سبب كلّ ما نعيشه هو نتيجة سياسة الغرب؟ هل بالفعل ما نعانيه من أزمات هو فقط لأسباب خارجيّة؟ بالطبع هناك تأثيرات خارجيّة، ولا يمكن إنكار دورها ولكن هناك مثل يقول إذا كانت الجوزة ممتلئة وسليمة داخليّاً فلا يمكن كسرها بسرعة. إنّني أرى أنّ القضية الأساسيّة داخليّة وأنّ الأمراض التي نعيشها تجعلنا دون وقاية بحيث نتعرض للمرض بسرعة كبيرة نتيجة الضعف البنيويّ الذي نعيشه. وعدم اعتماد دول المنطقة على شعوبها وعدم رسم سياسة اقتصاديّة مجتمعية وعدم وجود نظام سياسيّ ديمقراطيّ، عدم تطويرها لنظام تعليميّ يخلق أشخاصاً يطوّرون استراتيجيات وطنيّة سليمة، يجعلها متسولة على أبواب الغرب، لذلك فرغم مما تدّعيه الكثير من القيادات السياسيّة في المنطقة بالاستقلاليّة، لكنه كذبٌ كبيرٌ، ولا توجد استقلالية، بل هناك تبعية وتبعية حتى العظم. إذا ما قمنا بتقييم الوضع التركيّ، فعلى سبيل المثال إذا كانت تركيّا قد حقّقت نظاماً ديمقراطيّاً، وحلّت القضية الكرديّة بشكل مسالم وديمقراطيّ، وعقدت استراتيجية صحيحة معتمدة على التعايش السلميّ مع دول الجوار وأيضاً اعتمدت على سياسة مجتمعيّة في اقتصادها هل كانت ستواجه ما تواجهه اليوم؟ لا بالطبع فعندما بدأت مرحلة المفاوضات مع القائد أوجلان كسبت الليرة التركيّة قيمة مرتفعة جداً أمام الدولار. وهذا يعني أنّ هناك علاقة تناسب بين درجة الحريات، الديمقراطيّة، العدالة، الاستقرار والاقتصاد. وتبنّي أردوغان سياسة الحرب في الداخل والخارج، واستيلاؤه على كلِّ السلطات وفرض نظامه الديكتاتوريّ هي التي وضعت تركيا في هذا المأزق وهذا المثال يمكن تطبيقه على إيران وكلّ دول المنطقة. لذلك عندما نقول: إنّ سوريا اتحاديّةً ديمقراطية يمكن أن تكون نموذجاً لكلّ المنطقة فهذه ليست مبالغة وإنّما حقيقة. إذا ما تحقق نظامٌ ديمقراطيّ في سوريا فإنّه يمكن أن يقوم خلال فترة قصيرة بتضميد جراحها حتى التحوّل إلى دولة رائدة بالمنطقة، ولكن إذا سارت في مسار الدول الأخرى وعملت بنفس العقليّة التي تتعامل بها الدول المجاورة فمن الصعب جداً إنهاء الأزمة السوريّة. وهذه الأزمة مثل الوضع في العراق ستستمر لتتفجّر مرة أخرى. لذلك عندما نقوم كسوريين بمناقشة مستقبلنا يجب أن نستفيد من التجارب المعاشة بجوارنا. ويجب ألا نكرر الفشل، لذلك أرى أنّه لن يكون خطأً؛ إن قلنا الديمقراطيّة أولاً، والديمقراطيّة قبل كلِّ شيءٍ، لأنّها المفتاح الوحيد الذي يمكن أن نفتح به أبواب الاستقرار، الاقتصاد الذي لا ينهار، والنظام السياسي الذي لا ينهزم.