حوار مع الرئيس

رجائي فايد – 

التصريح الأخير للرئيس السوري بشار الأسد حول المسألة الكردية في سوريا أثار دهشتي، وتصورت أن الزمن يعود بي إلى الوراء، إذ كيف يصدر هذا التصريح من سيادته بعد كل ما عانته سوريا ومازالت تعانيه من أهوال، أهوال كان الكرد في طليعة المدافعين عن سوريا، وقدموا آلاف الشهداء الذين أعلنوا بالقول والواقع وبالتضحيات أنهم جزء لا يتجزأ من سوريا، والعجيب أن هذا التصريح يأتي في توقيت غريب، فجزء من الأرض السورية تحت الاحتلال التركي، ومدينة سورية منكوبة اسمها إدلب، يتفق بشأن وقف إطلاق النار فيها رئيسان أجنبيان دون أخذ رأي أو مشاورة مع الحكومة السورية، ودون أي اعتبار لما يسمى بالسيادة الوطنية، ثم يأتي ذلك التصريح. لقد عاد بي الزمن بهذا التصريح إلى عامي 2004 و2006 عندما التقيت بالرئيس بشار الأسد لمرتين، الأولى بمناسبة المشاركة في مؤتمر في فندق الشام تحت عنوان (سوريا في واقع متغير)،أما اللقاء الثاني فكان بمناسبة التهنئة لحزب الله اللبناني على معركته الأخيرة مع إسرائيل!!، في اللقاء الأول كانت كل التوقعات تشير إلى أن سوريا هي المرشحة الأولى للضربة الأمريكية بعد العراق، كان اللقاء بعد أحداث قامشلو وتداعيات مباراة كرة القدم، لذلك فقد تضمنت مداخلتي للاحتقان القائم في الوسط الكردي والذى أدى إلى اندلاع تلك الأحداث، كما أضفت بأن سوريا مستهدفة، والجندي الأمريكي يقف عند الحدود مستعداّ للانقضاض، وقلت للرئيس أن فخامته كطبيب يعلم جيداً أن الهواء الذي نتنفسه مليء بمليارات الميكروبات، والجسد القوى المنيع يمتلك المناعة التي تقيه شرور تلك الميكروبات، أما الجسد الضعيف فهو الذي تهاجمه الميكروبات وتنال منه، ولذلك فمن الواجب أن يتم تقوية الجسد السوري من الداخل للوقاية من شرور الخارج، وذكرت مشكلة المكتومين المحرومين من كافة حقوق المواطنة، وتساءلت كيف لمواطن عاش على الأرض السورية منذ انفراط عقد الوحدة مع مصر (بالافتراض أنه أتى لهذه الأرض حديثاً، رغم أن الواقع يقول أن أجداده عاشوا وماتوا على هذه الأرض) وظل فيها كأسلافه حتى الآن، ثم نحرمه من حقوق المواطنة، فأي غبن تعرض له هؤلاء؟ إن أول خطوة يجب أن تتخذ هي رفع الغبن عنهم، لأنه بسبب ذلك لن نندهش إن صاروا أشبه بحصان طروادة أو كعب أخيل، إذ من المنطقي أن هؤلاء، وهم عند الحدود التي يأتي منها الخطر المتوقع، كيف سيدافعون عن وطن لا يعترف بهم ويحرمهم من كافة حقوق المواطنة، وقال لي بالنسبة لأحداث قامشلو فقد كان من الطبيعي فرض هيبة الدولة أولاً، ثم بعد ذلك شكلنا لجاناً لحل مشكلة المكتومين، وستسمع أخباراً طيبة قريباً.

  في اللقاء الثاني عام 2006 كان الخطر على سوريا قد انقشع وزال، وكان سؤالي للرئيس عن مشكلة المكتومين، وكانت إجابته بأن اللجنة التي شكلت، قامت بفرز كل من يستحق شرف المواطنة، وهؤلاء تم منحهم الجنسية السورية، في حين بقي الغرباء الذين تسللوا للبلاد من الخارج ولم أجد من تعليق حينئذ سوى الصمت !!.

 ثم كان هذا التصريح الغريب الذي ينفي القومية الثانية بأكملها من مكونات الشعب السوري سوريتها، دون أي اعتبار لآلاف الشهداء الكرد، الذين ضحوا بحياتهم من أجل سوريا، وبالرغم من هذا التصريح وما يشابهه من تصريحات، فسيظل كرد سوريا أوفياء لوطنهم، مهما كانت محاولات نفي هوياتهم السورية، وحرمان سوريا من نضالهم المستمر من أجلها، إذ ليس بالتصريحات تمنح وتمنع صكوك المواطنة.