العنصرية والشوفينية وألاعيب الدولة القوميّة

نوروز عثمان-

أن التلاعب بنفسية وضمير المجتمع وجرّه نحو مأزق سياسي واجتماعي هو في الحقيقة ليس سوى لعبة قديمة سارت بها سياسة الدولة القومية، وبافتعال كبير حال به إلى خلق الفتن بالدرجة الأولى حتى تتمكن من تمرير سياستها الكلاسيكية والضعيفة تلك، مخلفةً بذلك الضعف والجهل الذي تعاني منه أغلب المجتمعات في جغرافيتنا نحن.

وتأتي العنصرية والشوفينية والتعصب القومي في مقدمة تلك السياسات المتعمدة على العنصرية فالعنصرية أو التمييز العرقي هو اصطناع الفرق حسب الانتماء العرقي لجماعة أو عرق ما  بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق، وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعياً وقانونياً. كما يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف، ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية. وهي كل شعور بالتفوق أو سلوك أو ممارسة أو سياسة تقوم على الإقصاء والتهميش والتمييز بين البشر على أساس اللون أو الانتماء القومي أو العرقي.

وفي حالة المؤسسة العنصرية، أو العنصرية المنهجية، فإن مجموعات معينة يتم تحريمها من  حقوقها والامتيازات التي هي من حقهم ، أو تؤثر في المعاملة على حساب أخرى.

بالرغم من أن التمييز العنصري يستند في كثير من الأحوال إلى فروق جسمانية بين المجموعات المختلفة، ولكن قد يتم التمييز عنصرياً ضد أي شخص على أسس إثنية أو ثقافية، دون أن يكون لديه صفات جسمانية. كما قد تتخذ العنصرية شكلاً أكثر تعقيداً من خلال  العنصرية الخفية تظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يتصرفون تحت تأثير العنصرية القومية والعرقية.

وعند تحليل الأزمة والفوضى السائدة في أغلبية مجتمعات الشرق الأوسط والبحث في جذور الاقتتال والكره الذي تم بثه بين مساحات كبيرة في مناطقنا اليوم، نجد بأنها تحولت إلى جحيم كبير، ومنها سوريا التي لها تاريخ وأمثلة على الشوفينية والعنصرية تحت قيادة حزب البعث الذي كانت الشوفينية من أهم عناوينه العنصرية والشوفينية، كما في مثال مجزرة قامشلو عام 2004 وحرق سينما عامودا، وفرض الحزام العربي، وكذلك مسألة المكتومين أي عدم منح الجنسية السورية لمواطنين مناطق الجزيرة، وكذلك فرض سياسة التعريب.

ولا زالت تهدف سياستها العنصرية في راهننا, إلى التفرقة بين الشعوب السورية من عرب وكرد وسريان من جهة، ومن جهة أخرى إلى تعميق النزاع الداخلي ضمن المجتمع. ومن الجدير القول أن شعوب هذه الأرض عاشوا معاً بسلام وأمان فيما بينهم إلى درجة الانخراط والتعايش بعادات وتقاليد مبنية على التآلف والمحبة منذ قِدم التاريخ وأسسوا حضارات عدة مع بعضهم البعض.

لكن عندما ننظر إلى واقع المجتمع بشعوبه هذه تحت ظل عنصرية وشوفينية الدولة القومية، نجد أن تلك الشعوب كانت تفقد الثقة والمحبة فيما بينها، وبالتالي كانت تعمل على تحريض واحدة على الأخرى، وهذا ما يزيد الأزمة حدةً وتعقيداً. إلى درجة نجد أن المجتمع بدأ يفتقد إلى الاستقرار ويعيش في دوامة الحروب والنزاع الفتاك، حيث من المستحيل تحقيق حلول لهذه القضايا في ظل هذه السياسة.