سوريا ساحةُ الصِّراع الدّولي… بينَ هيمنةِ موسكو وواشنطن وعِناد أردوغان

حسام إسماعيل

التطورات المتسارعة التي تعيشها سوريا سياسياً وعسكرياً، والتي  باتت تقودها سياسات الدول العالمية والإقليمية على هواها جعلت من الأوضاع تسوء رويداً رويداً، حتى وصلت الى مرحلة خطيرة للغاية، هذه السياسات المصلحية لهذه الدول بدأت تتجه الى مرحلة الإنذار بصدام عسكري بينها، وكلما تأزم الوضع أكثر فأكثر، بادرت الى عقد اتفاقيات ومحاصصات قذرة على حساب دماء السوريين التي تراق بدم بارد مع بداية تدخل هذه الدول، مع بدء الأزمة عام 2011.

الآن الدولة التركية المحتلة ومع تدخلها في سوريا من خلال دعمها للفصائل المتشددة، وتسريب المسلحين عبر أراضيها عبر حدودها مع سوريا التي تمتد مئات الكيلو مترات، ساهمت بلعب دورٍ خبيث وخطير للغاية كان لا بد من مواجهته منذ البداية بشتى الطرق، الآن الأوضاع تزداد تعقيداً وتفاقماً مع هذا الإصرار الأردوغاني على توسيع نطاق نفوذها في المنطقة، والشرق الأوسط ككل، من خلال قواعدها العسكرية المتواجدة في قطر، وليبيا وسوريا، وبات جلياً للعالم بأسره المطامع التركية، واستغلال التناقضات بين الدول الكبرى صاحبة التأثير تارة، وابتزاز بعضها تارةً أخرى، من خلال استخدام ملف اللاجئين السوريين، وحتى المساهمة في تشويه صورة السوري واستغلالها، حتى بات وجودهم في بعض البلدان غير مرغوب به، على الرغم من مساهمتهم بشكلٍ كبيرٍ في النهوض باقتصاد تلك الدول، وتجنيد بعضهم خدمة لمطامعها، ونقلهم الى بلدان للقتال لصالحها باسم الارتزاق.

ومن خلال التطورات الأخيرة ولاسيما في إدلب السورية بعد نسف أردوغان  الاتفاقيات التي عقدتها مع الروس في المنطقة، ووصول الوضع في تلك المنطقة إلى حافة الصدام العسكري المباشر مع قوات النظام السوري حليف الروس، بات واضحاً للعالم بأسره أن المطامع التركية لا تريد التوقف عند حد، وأنَّها تريد أن تخرج من كونها دولة إقليميَّة ذات تأثيّر محدد الى دولة كبرى تستطيع لعب دورٍ قويٍ، ومنافسة الكبار ليس في الساحة السورية فحسب بل على المستوى الدولي أيضاً، وهذا الأمر بات يثير حفيظة الروس، ويقلقهم بشكلٍ كبيرٍ، ويبدو هذا ما دفعهم للإيعاز لقوات النظام السوري لضربهم في منطقة ( سراقب) بإدلب، في حين جاء الرد التركي قوي للغايَّة فلم يكتفِ أردوغان بالرد على مصادر النيران فحسب بل قام بجلب المزيد من التعزيزات العسكريَّة على طول الحدود السوريَّة، قبالة المناطق المحتلة في كل من رأس العين/ سري كانيه، وتل أبيض/ كري سبي، وعفرين، ودخولها الى مناطق إدلب بشكلٍ مباشرٍ، والقيام بقصف، واستهداف قوات النظام السوري بشكلٍ مباشرٍ، تحت أنظار الحليف الروسي، قد تبدو هذه الحادثة بسيطة، ومجرد جزئية صغيرة، ولكن باعتقادي هنالك رسائل قوية يفهمها الطرفان ( الروسي ـ التركي)، اعتقد بأن أردوغان يريد أن يرسل رسالة قوية الى موسكو هذه المرة ومفادها بأنَّ رده سيكون قوياً، وهو مؤشر خطير يعيد الى الأذهان حادثة استهداف الطائرة العسكرية الروسية التي أسقطتها تركيا  في سوريا، الروس من جانبهم أرادوا جس نبض الرد التركي، لأنَّهم يعلمون بأنَّ الأطماع التركيَّة لا يمكن أن تقف عند حدٍ معين، وخاصة بعد إخلالهم باتفاقاتهم الهشة الأخيرة مع الجانب الروسي، من خلال ما يسمى (المنطقة العازلة)، ونزع سلاح الجماعات المسلحة، الروس كانوا واثقين بأنَّ الجانب التركي لن يوفي بهذه الالتزامات، وسيستمر بدعم تلك الجماعات الإرهابيَّة التي تثبت نفوذه في تلك المنطقة، وعلى هذا الأساس قاموا بتحريكِ تلك الجبهة، في خطوة لسحب البساط رويداً رويداً من تركيا، من خلال توريطها عسكرياً في سوريا، والعمل على إثارةِ غضبها، واستهداف مواقعها بين الفينة والأخرى من خلال قوات النظام السوري، والعمل على بسط نفوذها على كامل الأراضي السورية هذا ما يود بوتين فعله.

ولا بد هنا من التذكير بالنفوذ الإيراني في سوريا الذي بات مُغيّباً، والذي كان يلعب دوراً كبيراً في هذه المنطقة، والآن بات يتلاشى بشكلٍ كبيرٍ بعد مقتل قاسم سليماني، حيث كان مقتله جائزة كبرى بالنسبة للأتراك والروس على حد سواء، إلى جانب الموقف الأميركي المُحارب للتواجد الإيراني، وفرض العقوبات الاقتصادية التي خنقت الإيرانيين لدرجة أن المرشد الإيراني طالب شعبه ( بالصيام) لمواجهتها، إلا أنَّه رغم كل هذه الصعوبات بالنسبة للنفوذ الإيراني، والتواجد في سوريا هي مُصرّة على التواجد على الساحة السورية، وفتح مُعسكرات لتدريب مليشيات تابعة لها بالقرب من دمشق.

في ظل كل هذه التعقيدات والتدخلات من قبل هذه الدول لا بدَّ من الإشارةِ الى مسألةٍ مهمةٍ، وهي رغبة الدول الكبرى كروسيا والولايات المتحدة إضعاف هذه الدول الإقليميَّة من خلال جرِّها إلى الأرض السوريَّة، واستنزافها دون أن تحصل على ما تُريده، للأسف أصبحت سوريا ساحة لتصفيَّة الصراعات بين هذهِ الدول على حسابِ سوريا والسورييّن.