السبب الرئيسي الخفي لاندلاع الأزمة السوريّة ومن استفاد منها؟؟

 سردار فاطمي

لمعرفة السبب الرئيسي لاندلاع الأزمة السورية على المرء إجراء بحث في العلاقات الاقتصادية بين الدول الإقليمية وبين علاقات الدول المجاورة لسوريا، حيث تعتبر موسكو أحد المحاور الأساسية التي انضمت إلى الأزمة من يومها الأول، ولم تدخل روسيا في الحرب السورية منذ أكثر من ثمانِ سنوات من أجل الإبقاء على حكومة الأسد كما يروّج الموالون، ولا من أجل احتلال الأراضي السورية واستثمار مواردها الطبيعية كالنفط والقمح والقطن كما يعتقد البعض، ولكن هناك دائماً أسباب بعيدة عميقة واستراتيجية لمثل هذه الحروب، ومن هذه الأسباب تمكن روسيا من الوصول إلى هدفها في المنطقة ألا وهو عرقلة مشروع إمداد الغاز القطري التركي الأمريكي إلى أوروبا، والذي كان سيُغذيها عن طريق خط غاز يعبر أراضي كل من المملكة العربية السعودية والأردن و سوريا وتركيا ومنها إلى أوروبا.

بالمختصر كان السبب الرئيسي لاندلاع الحرب في سوريا والتي تحولت إلى حرب أهلية والتي زهقت أرواح الآلاف من المدنيين والعسكريين ودمرت البنية التحتية للبلاد وشردت الملايين هي مصالح اقتصادية خفية بين الدول المتحكمة في المنطقة، ولأن سوريا تمثل المعبر الوحيد لخط الغاز القطري الذي كانت تريد دول الخليج مده إلى أوروبا؛ فإن تلك الدول ومعها تركيا وأمريكا سعت لإسقاط نظام الأسد ودعمت من يقاتلونه، لكن نظام الأسد مدعوم من دول أخرى تريد بقائه في البداية كان سيسمح بمرور خط الغاز الإيراني الذي سيجعل إيران أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وفقًا لموقع “جلوبال ريسيرش” الكندي، ولكن الأوضاع تغيرت تماماً حيث أصبح الروس اللاعب الأساسي في المنطقة. وكذلك فرضت وبطريقة دبلوماسية على الحكومة السورية بأن تقطع امداد خط آخر وهو مشروع خط إيراني عبر العراق وسوريا وتركيا إلى أوروبا، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالموانئ السورية.

أما تركيا فكان لها الدور الأكبر في دعم وتدريب وإدخال تنظيمات متطرفة وإرهابية لشن هجمات وإثارة الفوضى في جميع المدن السورية تقريباً وبدعم مادي من قطر، تركيا التي تحلم بإعادة أمجاد السلاطين العثمانيين في المنطقة، كانت سورية هدفها منذ البداية، وفعلاً عاثت المجموعات المتطرفة الموالية لها فساداً في البلاد قتلاً وذبحاً بالشعب السوري.

ويرى محللون أن الحكومة التركية بقيادة أردوغان استغلت الحرب السورية، من ناحية أخرى استخدم أردوغان ملايين السوريين الذين هُجروا قسراً من بلادهم عن طريق المجموعات الموالية لها، وأصبحوا ورقة ضغط على دول الاتحاد الأوروبي، لإيقاف دعمها لقوات سوريا الديمقراطية من جهة، ومن جهة أخرى لإنعاش تنظيم داعش، وذلك بالضغط على الأمم المتحدة وغض الطرف عن احتلالها لمدن الشمال السوري مثل عفرين وسري كانيه / رأس العين، وكري سبي / تل أبيض. وصرّح مسؤول برلماني روسي أن افتتاح بوتين وأردوغان لخط الغاز (السيل التركي) يعتبر نجاحاً باهراً للسياسة الروسية وأيضاً فشلاً للولايات المتحدة الأمريكية في إقناع حليفتها القديمة بالابتعاد عن خط موسكو.

وقال السيناتور فرانتس كلينتسيفيتش، عضو لجنة الدفاع والأمن في الغرفة العليا للبرلمان الروسي، في تصريحات صحفية لوكالة سبوتينك الروسية: إن تدشين خط الغاز هذا يمثل نجاحاً كبيراً لروسيا وفشلاً للولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت منع إنشاء خط أنابيب الغاز هذا، كما تحاول منع إتمام بناء خط الغاز المسمى “التيار الشمالي 2” لنقل إمدادات الغاز الروسي إلى شمال أوروبا عبر بحر البلطيق.

وأشار السيناتور الروسي إلى “أن الأمريكيين فشلوا في تنفيذ خطتهم من جهتها الولايات المتحدة كانت قد طالبت الشركات التي شاركت في مشروع “التيار التركي” بإيقاف العمل ووقع الرئيس الامريكي دونالد ترامب على عقوبات جديدة ضد السيلين الشمالي والتركي، ضمن ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2020، التي يبلغ حجمها حوالي 738 مليار دولار، تخصيص أموال “لمواجهة روسيا” في مختلف المجالات، بما في ذلك من خلال فرض عقوبات على خطي أنابيب الغاز “السيل الشمالي-2” والسيل التركي”، وتشمل أفراداً وشركات عاملة في مد القسم البحري من خطي الأنابيب. وحذر السناتور الأمريكي راند بول، في وقت سابق من أن العقوبات الجديدة ستشمل شركات وعدد من الأفراد والشركات في النمسا وألمانيا وهولندا وفرنسا وفنلندا والسويد.

قبل عامين وبعد سنوات من المفاوضات مع الطرف الأوروبي أعلن الرئيس الروسي خلال زيارة رسمية إلى تركيا موت مشروع السيل الجنوبي لنقل الغاز واقترح مشروع السيل التركي بديلاً عنه، وهو مشروع اقتصادي عملاق مشترك بين تركيا وروسيا يعمل على نقل الغاز الطبيعي لروسيا الاتحادية عبر أنابيب نقل تمر من البحر الأسود، وصولاً إلى دول الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لوكالات روسية، يتكون المشروع من خطين من الأنابيب أولهما بطول 930 كيلومتراً ويعبر قاع البحر الأسود وهو مخصص لنقل الغاز لتركيا فقط، أما الثاني فيبلغ طوله 180كيلومتراً ويقطع الأراضي التركية إلى حدودها الغربية مع أوروبا، وتبلغ قدرته مليارات من الأمتار المربعة من الغاز سنوياً، ما يغطي احتياجات جميع الدول الأوروبية بالكامل.

يذكر أن روسيا تعتبر المورد الرئيسي للغاز في أوروبا، ما يجعل الموقف الأوروبي أمامها مهزوزاً، وقد وقفت أغلبية الدول الأوروبية إلى جانب الروس، حيث نددت دول الاتحاد الأوروبي بالعقوبات الأمريكية، وقد وصفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تلك العقوبات بالغير مقبولة. الجدير بالذكر أنه وبعد فرض واشنطن عقوبات اقتصادية ضخمة على الحكومة التركية، هدد الرئيس التركي بإغلاق قاعدتين أمريكيتين داخل الأراضي التركية، وكذلك بفرض عقوبات على الولايات المتحدة الأمريكية، وقد فندت الولايات المتحدة الأمريكية هذه التصريحات بعد أيام من التهديد التركي، وذلك بتوقيع عقود بناء جديدة داخل تلك القواعد الأمريكية مع الحكومة التركية نفسها.