الإنسان… صانع الثورات وصانع الخبز

آراس بيراني

---

لا تحيا في الدنيا مستأجراً

مثل الذي جاء يصطاف

 ويمضي

عشْ دنياكَ كأنها بيت أبيك

ثق بحبة القمح

ثق بالأرض

 ثق بالبحر

ثق أكثر بالإنسان

(ناظم حكمت)

لعلها ليست صرخة، وليست حكمة يطلقها الشاعر الإنساني ناظم حكمت، بل نداءً إنسانياً يحمل في طياته ومرتجع صداه حقيقة الإنسان ونبله وإخلاصه وعمله في سبيل الخلاص من الظلم والقهر…

ذاك الإنسان الذي صنع السفن فعبر بحار الأرض، وهو الذي زرع القمح فاخرج حنطتها وصنع الخبز وهو الذي بني من الطين وحجارة الأرض بيوتاً وأضرحة. فالأرض والقمح والبحر مصدر فخر وسند الثقة، فالأرض ليست هواءً مخادعاً يهب نسيمات حيناً ويعصف بنا أحياناً أخرى.. علينا أن نثق بالأرض وبحبة القمح فـ “حبوب سنبلة تجف تملأ الوادي سنابل” الحب معطاء ورمز للغنى والاكتفاء.

ألم تكن كل ثورات العالم القديم والجديد ثورات جياع وثورة خبز. وليس فقط حسب التفسير أو التحليل المادي لدراسة فهم ظواهر التاريخ حسب تعبير ماركس وانجلز وإنما الحياة هي التي مارست فن التغيير وليس مهنة التفسير!!.

يبقى الإنسان هو الثروة الأكثر أهمية وضرورة لبقاء الأرض ولاستمرارية حقول القمح ودوام حركة أمواج البحر بين مد وجزر. فالتاريخ الإنساني أيضاً عبارة عن حركة دائمة وصيرورة أبدية ويبقى الإنسان محور الكون والأساطير والحكايات والأديان والسحر والميتافيزيقيا.

لهذا يبقى الإنسان وعلى مر التاريخ مصدر كرامة ومنبع لها وصانع كرامة وحامي لها إزاء فئات تحاول اغتصاب حقه وهدر كرامته وإلغاءه كمادة وكفكر لصنع مفاهيم السيطرة والاستبداد ولسرقة خبزه والاتجار بلقمة عيشه ومن هنا كانت كل الثورات بالأساس المادي والفلسفي ثورات جياع وثورة خبز..

أن إنسان ناظم حكمت الثوري  هو ذاته إنسان نيتشه القوي، وهو ذاته إنسان جبران خليل جبران المتأمل، وهو ذاته إنسان يلماز غوني المسحوق الباحث عن الحياة وعن الكرامة.

وهو ذات الإنسان الذي في التوراة أو الإنجيل. وذاته الذي في القرآن أو عند زاردشت الحكيم  أو بوذا المستنير أو الذي في تعاليمهم الكهنوتية واللاهوتية.

وهو ذات الإنسان في فلسفة الأمة الديمقراطية. الإنسان المرتبط بأرضه والذي يدافع عن حقل قمحه ويصون بحره وسمائه دون اكتراث بالحدود بين إنسان وآخر. ودون اهتمام بحدود للأرض كما السماء مفتوحة. تحلق فيها الطيور. النسور والغربان والنوارس والأرض مفتوحة لك أيها الإنسان.. صن أرضك وأحفظ حبة القمح وثق بالإنسان.. مهما كان لونه أو عرقه أ ودينه أو جنسه.

أيها الإنسان ليس مهماً أن تكون قبلتك هناك نحو تخوم هناك وليس مهماً أن تقرع أجراسك هنا أوهناك ولا أن تعلن صيامك أو صلاتك.

فالله واحد

والأرض واحدة

والإنسان مهما بلغ تعداده

 واحد

فعش أيها الإنسان

ثق بحجر بيتك

ثق بحبة القمح

ثق بالأرض…