وخلال هذه السنوات كنّا نسمع تصريحات مسؤولين أميركيين بأن القضاء على داعش سيتم خلال 3 سنوات، وهذا ما حدث، إذ تم تحرير الموصل، بينما تخضع الرقة للحصار من قبل القوات الكردية المدعومة أميركيا، حيث بدأت قبل أسابيع عملية تحرير الرقة من داعش.

منطق الأمور يقول إن داعش سيخرج من الرقة وسيتحول إلى أشلاء تنظيمية في العراق وسوريا، والنتيجة الكبرى أن التنظيم سيفقد وجود عنوان جغرافي واسع يتجه إليه من يجندهم، وسيفقد النموذج الذي كان يسوقه عبر الجهاد الإلكتروني والإعلامي عن دولة العدل والرفاهية، التي تحمل مواطنيها إلى الجنة في السماء، بعد أن يعيشوا على الأرض في دولة الإسلام والعدل.

والأمر المهم الآخر أن تفكيك داعش عسكريا وجغرافيا سيفتح الطريق أمام حل سياسي للأزمة السورية، لأن الطريق إلى تفكيك تلك الأزمة يجب أن تمر عبر إضعاف دور التنظيمات الإرهابية، فالجميع لا يريدون أن يكون بديل نظام بشار الأسد حكما لداعش أو النصرة وأخواتهما، بخاصة أن الفصائل المعتدلة أقل قوة وحضورا عسكريا وميدانيا.

ما جرى في الموصل ليس هزيمة عسكرية لداعش، بل هي ضرب لمشروعه في الإقليم، وحتى لو كانت التحليلات تشير إلى تحول في نشاط التنظيم إلى عمليات انتحارية وتفجيرات، إلا أن هزيمته فقدان للمشروع، خاصة أن الرقة على ذات الطريق، وبالتالي فحتى لو بقي داعش يعمل كعصابة تحت ضغط “حلاوة الروح”، إلا أنه بلا مشروع على جغرافيا واضحة ومحددة.

الرقة ومعها الموصل كانتا قاعدة لعمل التنظيم في المنطقة والعالم، فهما قاعدة العمل الإعلامي والتنظيمي والعسكري، وفقدان القاعدة وتلاحق موت القادة تحت وطأة ضربات الخصوم يعني تحول التنظيم إلى عصابة وخلايا، وليس إلى مشروع لإقامة الإسلام ودولته، كما كان قادة التنظيم يروّجون.

وما تحقق لداعش في الموصل والرقة لم يتحقق في أي جغرافيا أخرى، لهذا فالهزيمة في الشام والعراق استراتيجية للتنظيم، وحتى للدول التي حاولت الاستفادة من هذا المشروع.

وحتى لو توقفنا عند واقع التنظيم في سيناء المصرية مثلا، فإن داعش هناك لا يملك جغرافيا يقيم عليها مشروعه، بل هو عصابات يخطط وينفذ عمليات ضد الجيش والأمن، وفي ليبيا لم يحصل التنظيم على جغرافيا مستقرة فكل ما يجري هناك متحرك وقلق.

داعش لم يفقد الجغرافيا فقط في الموصل، بل ضاع منه المشروع والنموذج، والهزيمة ليست للمقاتلين فقط، بل للفكر الذي حمله من صنعوا هذا المشروع وسوقوه منذ 10 سنوات، واستطاعوا أن يجلبوا له مؤيدين من كثير من الجنسيات والدول، هؤلاء الذين أصبحوا اليوم إما محبطين، أو قتلى وجرحى، أو مطاردين يبحثون عن مخرج.