وهذا إجمالا عامل لا يلتفت إليه كثيرون وهم ينظرون إلى المملكة العربية السعودية، التي وحدت القبائل تحت علم الدولة الثالثة منذ ٨٥ عاما فقط. فهي دولة حديثة نسبيا. احتاجت لمجهود هائل لكي تستقر في صورتها الوطنية، مجهود لا ينكره إلا مستخف بالعوامل السياسية والاجتماعية، أو جاهل بها. وما أكثر هؤلاء.

تقييم الدول لا يكون عند نقطة في التاريخ. بل عبر منحنى بياني، نرى صعوده وأسبابه، أو نرى هبوطه. هذا سؤال جوهره “غدا”، وبالتالي فهو ينظر إلى الحاضر في علاقته النسبية بالماضي، وليس كنقطة مستقلة مطلقة.

إيران مثلا. وهي الدولة التي توضع في مقارنة مع السعودية إن تحدثنا عن الإسلام والدولة. إيران لها أصدقاء بين العلمانيين، يقولون إنها تنتج سينما، وإن المرأة فيها موجودة في المجال العام بصورة أكثر. هؤلاء لا ينظرون إلى إيران السبعينيات، لا يحاولون رسم منحنى. وبالتالي لا يقرأون “غدا”. ونفس الشيء ينطبق على كثير من الجمهوريات في المنطقة العربية. لكن لأن الرأي العام يستقبل الجمل القصيرة بسهولة، كان سهلا على “أصدقاء إيران” أن يقدموا هذه الجمل العابرة ويكسبوا نقاشات، إقليمية وعالمية. بحجج لن يقبلها – للمفارقة – المثقفون الإيرانيون، الذين يدركون ماذا فعلت دولة ولاية الفقيه بمجتمعهم، وفي أي اتجاه تأخذه.

متفهمو الوضع السياسي السعودي على العكس. يدركون أن السعودية على مستوى الدولة تدير السياسة الخارجية ببراجمية وانفتاح أكثر. وليس لها أطماع توسعية. بل إنها لنفس الدوافع البراجماتية من مصلحتها أن تجد متنفسا في انفتاح مجتمعات صديقة لها، كالإمارات، ولبنان. مشاريع التنمية التي تبناها الحريري في لبنان كانت في أغلبها بدعم سعودي. لم تحاول فيه أن ترتهن قرار الحرب والسلام للدولة كما فعل حليف إيران، حزب الله. كان الحريري يبني مشاريع. وكانت مغامرات حزب الله تهدمها. اغتيل الباني، ونال الهدامون تصفيق الجماهير. والسبب جهل “مثقفين” بالقراءة السياسية.

السعودية بقرارها السماح بقيادة المرأة للسيارة تضيف خطوة أخرى، تاريخية، ستفيد أصدقاءها في التعبير عن رأيهم في السعودية وتشجعه. لن تكون أخبار السعودية مرتبطة فقط بما يروج عن “المدارس الدينية المتشددة” في لندن، وعن الفتاوى الغريبة. لقد احتاجت السعودية في استقرارها إلى هؤلاء، لكنهم تحولوا عبئا عليها.

لكن القرار ليس إعلاميا فقط، وإن كان الوجه الإعلامي غرضا مهما لا تصح الاستهانة به. القرار فعلا تاريخي. قيادة المرأة للسيارة قرار معنيّ بقضية ولاية المرأة الراشدة، استقلالها. مفردات تلتئم حول معنى واحد: أنها ليست كما يصورها العقل القديم. إن سعودية جديدة تعبر عن نفسها.

يتوافق هذا مع طموحات جيل جديد من السعوديين. يعرف كل من يختلط بهم أن النخبة من هذا الجيل التي زارت وتعلمت وخبرت أوسع النخب اطلاعا بين الناطقين بالعربية حاليا. وأن إشعارهم بتأثيرهم أقل تشجيع ممكن.

من الآن فصاعدا نتمنى مزيدا من تحول الإشارات الحمراء إلى خضراء في طريق الأصدقاء في السعودية. هذا في صالح المنطقة كلها.