أيُّ تاريخ أسود سيضيفه أردوغان إلى تاريخ بلاده؟

زكي شيخو –

أردوغان يتوعد بإضافة صفحة أخرى من الجرائم إلى تاريخ بلاده يكتبها بدماء الأبرياء.

في تصريحه الأخير عبر رسالة بمناسبة عيد الأضحى أكد أردوغان رئيس الدولة التركية بإنهم سيضيفون انتصاراً جديداً إلى سلسلة انتصاراتهم التاريخية، وهذه الانتصارات جميعها دون استثناء كانت على حساب حقوق الآخرين، ونشر الفوضى والنهب والسلب وإبادة الشعوب وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية، وكيانات أجداده تشكلت على حساب دماء الأقوام والإثنيات الأخرى المسالمة. وأردوغان بكلامه هذا يستهدف الكرد، لماذا يعشق لهذه الدرجة إراقة دماء الكرد وقصف منازلهم وتدمير مدنهم وقراهم؟ لماذا لا يعترف بوجود ثقافة وأمة تشكل نسبتهم أكثر من أربعين مليون نسمة؟ بينما يدافع عن بضعة أقربائه في اللغة التركية أقصد بقايا تتار القرم، ويؤكد أن بلاده لا تعترف بضم شبه جزيرة القرم ولن تعترف بذلك أبداً قائلاً إن حياة أقاربنا تتار القرم في وطنهم التاريخي في شبه جزيرة القرم وحماية هويتهم وثقافتهم، وضمان حقوقهم وحرياتهم الأساسية ستبقى أولويتنا. رغم أنهم من التتار أيضاً كأجداد أردوغان الدخلاء والمحتلين لمنطقة الأناضول، دخلاء على تلك المنطقة قبل عدة قرون وليسوا من سكان تلك المنطقة الأصليين، هل هذه هي قيم الإسلام التي ينادي بها أردوغان ومن لف لفيفه، أردوغان يحاول إبادة شعب مسلم، يعيش على أرضه وجغرافيته التاريخية له ثقافة ولغة مستقلة خاصة به وينكر حقوقه الإنسانية، بينما يدافع عن بقايا بعض القبائل التترية ويؤكد على حقوقهم الثقافية وهويتهم وحرياتهم الأساسية رغم عدم تناقضنا مع ذلك لكن أردوغان هو من يمارس النفاق والدجل والإرهاب بحق الآخرين.

إبادة الشعوب الأساليب والأهداف والغايات

 الأتراك يستخدمون أساليب عدة لإبادة وتهجير وقلع جذور الكرد في منطقة عفرين، التي احتلتها الدولة التركية بمشاركة مجاميع إسلامية متطرفة استخدمتها لتبرير جرائمها الغير قانونية، وتوسيع نفوذها واحتلالها للأراضي السورية. وهناك محاولات جادة من قبل الدولة التركية في القيام بممارسات الإبادة وإحداث تغييرات ديموغرافية في مناطق شرقي الفرات، ما لم يتم التصدي لها وإيقافها ولجمها.

في إحدى توجيهاته وإرشاداته يقول تيودور هيرتزل بخصوص الاستيطان في فلسطين وتغيير ديموغرافيتها، أن السرية ستكون أساسية في نضالنا وعمليات نزع الملكية وطرد الفقراء يجب أن تتم في الخفاء وبحذر ولندع أصحاب الأملاك الغير المنقولة يظنون أنهم يخدعوننا ببيعنا أشياءهم وأملاكهم بأسعار أعلى مما تستحق، ولكن لن نعيد بيعهم أي شيء مما اشتريناه وسنبيع بعد ذلك لليهود وكل العقارات ستتداول بعد ذلك بين اليهود فقط، وحسب الإحصائيات البريطانية كان عدد المسلمين والمسيحيين العرب في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى حوالي 600 ألف، بينما اليهود كان عددهم حوالي 80 ألفاً.

بعد أن قررت تأسيس دولتين لليهود والعرب، كان نصف المقيمين في المناطق التي خصصت لليهود عرب ومسيحيين رغم الهجرة الكبيرة لليهود من الخارج، بينما في مناطق المخصصة للعرب كانت الغالبية العظمى عرباً حتى عام 1948م.

بعد ذلك خطط اليهود لتفريغ المدن والبلدات والقرى الريفية من أهلها من غير اليهود في مناطق ذات الغالبية العربية، لذا أمر بن غوريون أحد مؤسسي الدولة الإسرائيلية وأول رئيس وزراء لها بطرد وقتل الفلسطينيين، وفي تموز 1948 أدى هجوم اليهود على منطقتي اللد والرملة الواقعتان ضمن حدود الدولة الفلسطينية، بحسب قرار للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى مقتل المئات من الفلسطينيين، وحصلت مذبحة ونشر خوف وذعر في عموم المنطقتين وتم طرد أهلها حسب وثيقة استسلام.

وحدثت مجازر في حيفا وطول كرم وفي صفد ونابلس وبيت لحم والخليل ودير ياسين وغيرها من المدن، تم تدمير المئات من البيوت فيها، بعد عقاب جماعي، وبعدها قام اليهود بالترحيل القسري للعرب من المناطق التي خصصت للدولة اليهودية، وتزامناً مع أعمال العنف من قبل اليهود بحق الفلسطينيين، كان يمارس العنف الإداري الممنهج واتباع أساليب إدارية استفزازية لإجبار المتبقيين من الفلسطينيين على الاستسلام أو الرحيل الأبدي، نتيجة لذلك حدث تغيير ديموغرافي في أغلب مناطق فلسطين لصالح اليهود أغلبهم من اللاجئين القادمين من الخارج.

عندما احتلت إسرائيل في الخامس من تشرين الثاني لعام 1956 أو ما يسمى بالعدوان الثلاثي على مصر شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، وجزيرتين في خليج العقبة ومنطقة استراتيجية لمصر في شرم الشيخ، ادعى بن غوريون والحكومة الاسرائيلية أن هذه المناطق كانت ملك لأجدادهم الأوليين قبل الميلاد وجزء لا يتجزأ من إسرائيل وهذا هو المكان الذي أمرهم الله ليكون شعب الله المختار فيه، وكان يدعي أنه دخل إلى مناطق دولته أي إسرائيل، ولم يجتاز حدود أحد وهم لا يريدون أكثر من العيش بسلام مع العرب.

أردوغان على خُطى أسلافه السلاطين

وعندما زحف جيش الاحتلال التركي نحو عفرين بمشاركة مجاميع مرتزقة، صرح أردوغان الرئيس التركي وممثلي سلكه الدبلوماسي، أن غايتهم من عملية غصن الزيتون الإرهابية هي تطهير عفرين من الإرهابيين، واسترجاع تلك الأراضي إلى أهلها الأصليين من العرب واستتباب الأمن والعيش المشترك بسلام وأمان. في حين كانت عفرين بيد أبناء المنطقة وكانت تدار من قبلهم قبل الاحتلال، وحسب جميع الدلائل والمعطيات والإثباتات فأن نسبة الكرد في عفرين كانت أكثر من 98 بالمئة، على عكس ما نراه اليوم حيث أن من يسيطرون عليها هم من مناطق أخرى، بعد أن تم توطينهم وليس لهم أي صلة بعفرين وجلبوا عشرات الآلاف من مناطق الغوطة في دمشق وحمص ودرعا، وعائلات أخرى من الغرباء والتركمان وللأسف مع بضعة آلاف من الفلسطينيين، الذين لاقوا نفس مصير أهالي عفرين سابقا. وكل ذلك بغية تغيير ديمغرافية عفرين وهويتها بعد الاستيلاء على ممتلكات أهاليها، قال بن أردوغان كلاماً مشابها لكلام بن غوريون، أن عفرين سوف تكون واحة سلام فربطها بولاية هاتاي وسلخها من جسدها السوري، ونسج مثقفي الدولة التركية ميثولوجيات حول منطقة عفرين كونها كانت يوماً ما مركز مقاومة مصطفى كمال باشا أتاتورك ضد المحتليين الغرب.

كان بن غوريون وموشيه دايان يتأملون حرب مع الدول العربية واتباع أسلوب الإثارة والثأر واختراع أخطار غير موجودة، حتى أن بن غوريون قال ذات مرة أنه من المفيد والجدير بالاهتمام دفع مليون جنيه لأحد العرب ليبدأ حرباً ضدنا. القادة الإسرائيليون كان يروجون حجاً وشعارات لبعض العرب بأنهم أي العرب يريدون رمي إسرائيل في البحر، رغم أن جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية المصرية أنكر ذلك، وصرح بأنهم يريدون العيش مع اسرائيل بسلام، لكن كلامه هذا لم يسعفه لأن إسرائيل شنت الحرب على العرب وكان لها ذلك.

هذا الكلام يشابه تماماً ما تم تسريبه من تسجيل صوتي لاجتماع قيادات الصف الأول للحكومة التركية، يوم 13 آذار/ مارس عام 2013 حضره أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي حينذاك، ورئيس المخابرات التركي هاكان فيدان، والفريق أول ياشار جولر القائد الثاني للأركان وآخرين. حيث تم التطرق إلى كيفية تنفيذ عملية عسكرية في سوريا، ويقول هاكان فيدان بإمكاننا إرسال أربعة من رجالنا إلى الجانب السوري ليقوموا بإلقاء صواريخ على الجانب التركي من أجل خلق ذريعة لنتدخل عسكرياً ان تطلب الأمر، واعترف بإرسال نحو ألفي شاحنة من الذخيرة إلى سوريا، هذه الحقائق المثبتة تدحض كافة ادعاءات الدولة التركية وتفندها من جذورها، عندما يتذرعون بحجج لمهاجمة الشعب الكردي في شمال شرقي سوريا، كونهم هم من ينشرون العنف والإرهاب عبر حدودهم مع سوريا ويبحثون عن إراقة الدماء.

تركيا هدفها السيطرة واحتلال المنطقة

رغم كافة المحاولات السلمية التي تم طرحها من قِبل الكرد وتقديم ضمانات لحماية أمن الحدود التركية من جهتهم، لكن الأخيرة رفضت قبل العملية العسكرية التركية لاحتلال عفرين وتجاهلت هذه المحاولات والدعوات الصادقة من قبل الكرد، وقامت باحتلال عفرين بمساعدة مجاميع متطرفة وأحدثت تغييرات ديمغرافية في تلك المنطقة ولا زالت مستمرة في سياساتها تلك، واليوم أيضاً ترفض تركيا وتتجاهل كافة المحاولات والطروحات والمبادرات السلمية من قبل الكرد للحلول دون المخاوف التي تتذرع بها، وتفضل السياسات العدوانية والحرب.

يبحث أردوغان وحكومته عن الأعذار والحجج لشن عملية عسكرية ضد مناطق شرقي الفرات في محاولة منهم لاحتلال ما تبقى من المناطق ذات الغالبية الكردية، وتنفيذ مخططهم الشنيع وذلك بتغيير ديمغرافية المنطقة، وتوطين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا من أبناء العرب السنة، وبذلك يتخلصون من عدة مشاكل يثقل كاهل الدولة التركية المهاجرين الذين أصبحوا عبئاً اقتصادياً عليها، ومن تذمر وانزعاج الشعب التركي منهم ومن الحوادث الشبه يومية بين المهاجرين السوريين وبين الأتراك في مناطق عديدة. بالإضافة أن هؤلاء المهاجرين أصبحوا سبباً واضحاً لانخفاض نسبة المؤيدين والذين كانوا يصوتون لحزب العدالة والتنمية التي يتزعمها أردوغان، الذي فقد في الانتخابات الأخيرة أهم المدن التركية وعلى رأسها إسطنبول، إلى جانب التخلص من المشروع الكردي الديمقراطي  الذي يضرب مضاجع القيادة التركية، وسوف تحاول الدولة التركية مراراً التدخل في شرقي الفرات كما فعلت في عفرين، بحجة الأسباب والدواعي الأمنية الواهية، ووفقاً لمنطق الحرب والاحتلال تركيا تقول أن من يكسب الأشياء بالقوة تصبح ملكاً له، هذا هو مشروع أردوغان لما يسمى بالمنطقة الآمنة، لأنها في حقيقة الأمر منطقة القتل والإبادة والنهب والسلب والانتهاكات.