نساء عفرين.. يحمينَ قيمهنّ النبيلة من غزو الاحتلال

روناهي/ الشهباء – أكدت نساء عفرين بأن الطاغية أردوغان هو من أطلق يد مرتزقته في عفرين ليرتكبوا أبشع الجرائم بحق النسوة في عفرين، وناشدن جميع نساء العالم للوقوف بوجهة هذه الانتهاكات الوحشية بحقهن.

لأن المرأة هي الحياة وسر الحفاظ على اللغة والعادات، كانت ولا تزال الهدف المباشر للقوى المحتلة بهدف إبادة الشعوب وطمس هويتها، وفي عفرين كان للمرأة مكانة مميزة وتتمتع بهامش حرية مختلف عن محيطها العربي السني المحافظ، استطاع الشعب بعفرين التأقلم مع هذا الواقع على مدار قرن ونيف، بل كانوا نموذجاً للانفتاح على الأخر ومثالٌ للعيش المشترك في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية.

 ومع بروز الأزمة السورية، بات المجال المفتوح أمام المرأة في عفرين أوسع وأشمل، هنا نتحدث عن بروز طابع جديد خارج عن العادات والتقاليد الكردية ولا سيما في المجتمع الريفي الذي لم يضع حواجز قاتمة أمام مسيرة المرأة على غرار المحيط المحافظ، وانتقال دورها إلى دوراً تنظيمي في المجتمع وقيادته، وتأسيس جمعيات ومنظمات خاصة بالمرأة، وهذا الشيء دفع بالدور الريادي للمرأة في عفرين إلى مستويات متقدمة.

أردوغان أطلق يد المرتزقة ضد النساء

وكان للمرأة دوراً جوهرياً في مقاومة العصر، بشقيه العسكري والاجتماعي والإداري ضد الاحتلال التركي، ولكن تلك الذهنية الغير المتقبلة للانفتاح والتي ترى من المرأة ملكاً خاصاً بالرجل، غيّرت حياة العفرينيات الباقيات في عفرين بعد الاحتلال، إذ تعرضت النساء للاعتقال والقتل والتعذيب، وممارسات أخرى غير أخلاقية لا يمكن وصفها لبشاعة الصورة، والمفارقة هنا أن الاحتلال التركي الذي يدّعي بإيمانه بحرية المرأة في تركيا، هو منْ شجع وأدخل المستوطنين والمرتزقة المتغذين من الفكر الإخواني المتشدد الذي يُحرم كل شيء ويستبيح الأعراض والأموال لنفسه.

تحت مسميات متعددة، حاول المستوطنون والاحتلال التركي على حدٍ سواء طمس هوية عفرين الكردية وفرض الوصاية على سكانها بدءاً من المظهر والشكل إلى نهب آثارها وتراثها الحضاري، ولأن المرأة الكردية كانت وما تزال تتمتع بقوة الشخصية كانت هي الأخرى هدفاً مباشراً للاحتلال.

انتهاكات عدة لم تُوثّق بعد

ووفقاً لإحصاءات مؤتمر ستار، إن أكثر من 200 امرأة تعرضت للاعتقال والخطف ووثقت أسمائهن إلى جانب مقتل 25 أخريات على يد المرتزقة في عفرين منذ الاحتلال، ناهيك عن عشرات النسوة الأخريات اللواتي لم يتمكن مؤتمر ستار من توثيق أسمائهنّ، وتقول عضوة علاقات مؤتمر ستار سوزان مصطفى، أن لهنّ مصادر خاصة في داخل عفرين لمتابعة وضع النساء بعفرين ومحاولة توثيق الجرائم المرتكبة بحقهنّ وتقديمها للمنظمات الدولية، والتقى مؤتمر ستار بعدد لا بأس به من النساء الخارجات من عفرين باتجاه الشهباء، وتمكنت من توثيق معلومات كثيرة حول وضع المرأة وما تعانيه النساء في عفرين، وهنا تشير سوزان إلى أن معظم المعلومات التي يمتلكونها لا يستطيعون نشرها على الإعلام لفظاعتها ومخالفتها للأعراف الإنسانية والمبادئ الدينية.

وتطرقت سوزان إلى حادثة انتحار الفتاة العشرينية “أرين كلو” في عفرين مؤخراً والتي كشفت أنها كانت أمٍ لمولود لم يبلغ الشهرين والسبب الرئيسي لانتحارها هي الممارسات اللاأخلاقية التي يمارسها المرتزقة ضد النساء الكرديات في عفرين.

ولم تكن حادثة أرين هي الأخيرة، بل سبقتها حوادث متعددة استهدفت المرأة العفرينية والسورية عامةً، ولعلى حادثة رجم المسنة والمعلمة الأرمنية سوزان كريكور في قرية اليعقوبية بجسر الشغور هو خير دليل على الذهنية التي تحملها الفصائل المرتزقة المتشددة المسيطرة في عفرين وإدلب والشمال السوري، والذي يغذيه الاحتلال التركي بشتى الطرق.

ذهنية الاحتلال لا تختلف عن داعش

وفي سياق الانتهاكات أيضاً، تعمل حركة المرأة الحرة في الشهباء على رصد ومتابعة وضع النساء في الشمال المحتل من قبل تركيا وتوثيق الانتهاكات، وقالت الإدارية في الحركة رحاب جبو لصحيفتنا أن النساء في المناطق المحتلة من قبل تركيا تمارس عليها ضغوط كبيرة، ولا تستطيع التعبير عن رأيها وشخصيتها في ظل هيمنة الذهنية الذكورية، وشبهت رحاب هذه الممارسات التي تعانها المرأة في الباب وجرابلس وإعزاز وإدلب بتلك التي مارسها داعش قبل سنوات، إذ خضع الريف الشمالي لحلب لحكم مرتزقة داعش خلال عام 2015، وهنا تطرقت رحاب للمآسي التي مرت بها المرأة في الشمال السوري ولم ترَ النور أبداً.

وعن دور حركتهن في توعية المرأة، قالت رحاب: “اليوم نحن هنا ننظم أنفسنا بناءً على أفكار التحرر والإيمان بقدرة المرأة العربية ونثمن دور المرأة الكردية في مسيرتها لنيل حريتها، ومن هذا المنطلق نعمل على تثقيف المرأة وتوعيتها وتعريفها بحقوقها وواجباتها العامة والخاصة”.

 في الشهباء التي كانت المرأة فيها محكومة للعادات والتقاليد العشائرية اليوم تغير الحال وباتت غالبية النساء تتمتع بمكانة مختلفة وتغيرت نظرة الرجل نوعاً ما لدور المرأة، وتُشير رحاب إلى أن النساء المنضويات تحت سقف الاتحاد في تزايد بشكلٍ يومي.

 وتطرقت رحاب للانتهاكات التي تعانيها المرأة في عفرين واستنكرت ممارسات الاحتلال، وأكدت أن ذهنية الاحتلال التي تغذي الفصائل الجهادية المتأسلمة بعيدة كل البعد عن القيم الإسلامية وروح التسامح في الدين الإسلامي، وأشارت إلى أن الشعب الكردي هو الآخر مسلم ولكنه يتمتع بنسبة وعي ثقافي وانفتاح اجتماعي وهذا ما يسمح له بالتأقلم والاندماج بالمجتمعات، وأن قوة المرأة الكردية هي ميزة مهمة في هذا المجتمع.

حرب خاصة تستهدف قيم المجتمع

عضوة إدارية في مؤتمر ستار بمخيم برخدان ليلى إيبش الذي يقطنه أهالي عفرين المهجرين، أشارت هي الأخرى إلى أن دولة الاحتلال التركي تمارس انتهاكات شتى في عفرين تستهدف كل شيء، وتشكل الانتهاكات ضد المرأة جزء مهماً، وأكدت أن المخطط التركي لضرب القوة الفاعلة في المجتمع الكردي والعفريني لا يشمل عفرين فقط، بل يتعداه إلى الشهباء والمخيمات، عبر حرب خاصة لنشر الرزيلة وأشكال أخرى تستهدف النساء والفئة الشابة في مخيمات النزوح، والهدف تشتيت هذا الشعب اجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً ومنعهم من التفكير بتنظيم أنفسهم وتحرير مدينتهم من الاحتلال.

 وأكدت ليلى على دور مؤتمر ستار في هذا الشأن، وكيفية التعامل مع هذه المخططات، بل ويتعدى دورها على تنظيم النساء وتجميع طاقاتهم لترسيخها في خدمة تنظيم المجتمع والدفع بها لتحرير عفرين من الاحتلال التركي.

وفي السياق ذاته قالت سوزان أن مؤتمر ستار واجه العديد من المشاكل في هذا المجال، ولكنها استطاعت من خلال التنظيم منع تدهور أوضاع النساء في المخيمات وحمايتهنّ من انعكاسات الحرب الخاصة التي تمارسها الغرف السرية للاستخبارات التركية، وتم كشف عدد من تلك الأساليب، وتم التعامل معها وفق أسس تنظيمية بحتة مع مراعاة قيم المجتمع العفريني.

وفي سياق هذه الانتهاكات ضد النساء، أصدر مؤتمر ستار بياناً الأسبوع الفائت ناشد فيه جميع نساء العالم للوقوف بوجهة هذه الانتهاكات الوحشية بحق النساء واللا إنسانية، كما طالب المنظمات الحقوقية ودول العالم القيام بواجبهم واتخاذ المواقف الحازمة تجاه هذه الأعمال الإجرامية والانتهاكات بحق النساء التي تجاوزت كافة الأعراف والقوانين الدولية.