الاستراتيجية أهدافها ـ وسائلها ـ نماذجها

قاسم عباس ابراهيم –

استعملت كلمة الاستراتيجيّة قديماً على أنّها استخدام القوة العسكريّة من أجل بلوغ النتائج التي حدّدتها السياسة (أي الاستعداد والتخطيط للحرب وتحديد حركات الجيش بشكل عام بغية تحقيق هدف معين)، في حين أنّ الاستعمال الجديد هو فن مؤازرة القوة في جعلها تساهم في بلوغ أهداف السياسة.
أما في القاموس السياسيّ فهي: علم تخطيط وتوجيه العمليات العسكريّة ـ وفي المفهوم التقليديّ كان المراد منها أو يُفهم منها أنَّها العلم وفن القيادة أو الزعامة. ومصدر الكلمة يونانيّ strateyas, وتنقسم إلى كلمتين strantus, الجيش وegas وتعني القيادة. ودخلت الاستراتيجيّة مرحلة السبات خلال الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918) وبعدها نتيجة هزائم بعض الدول بسبب استراتيجيات خاطئة فانكبَّ الباحثون في القضايا الاستراتيجية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها على دراسة الاستراتيجية ونقدها وتوصّلوا إلى أنّ سبب فشلها اعتمادُها على معيار التخطيط فقط فطالبوا بعدم الاتكاء على التخطيط فقط وعدم المخاطرة والمغامرة وعدم الاعتماد على التوقعات والاجتهادات، إنّما يجب اختبار استراتيجية مناسبة تبعاً للموقف القائم أو المتوقع وإدراك حركات العدو أو المنافس والوصول إلى مؤشرات أو إلى استراتيجية التنبؤ بما سيحدث في المستقبل ـ وأضاف الباحثون الاستراتيجيون إلى الاستراتيجية « فن استخدام الأسلحة في المعركة من أجل بلوغ أفضل مردود»، أي تكتيك وكذلك فن المواصلات والتموين ـ أي علم التحرّكات والتموين ـ ما يسمى اللوجستيك وقد انتقل هذا المعنى للاستراتيجيّة إلى المجال الاقتصاديّ وفي مجالات أخرى.
أهداف الاستراتيجية: يفهم من تعاريف الاستراتيجية هدفها بأنه بلوغ الأهداف التي حدّدتها السياسة عن طريق الاستخدام الأمثل للوسائل المتوفرة ويمكن لهذه الأهداف أن تكون هجوميّة أو دفاعيّة أو حماية هذا الموقع أو ذاك.
وسائل الاستراتيجية: للاستراتيجية سلسلة من الوسائل الماديّة والمعنويّة لبلوغ هدفها فلابد من اختيار وسائل متطابقة مع إمكانات الأصدقاء ونقاط الضعف لدى العدو كما يتوجب معرفة كيف يجري تهيئة خطة استراتيجية، ويجب توفير وسيلة مناسبة لكلِّ حالة أو موقف ومن هذه الوسائل الروع ـ الحرب الوقائيّة ـ عقوبات اقتصاديّة وحصار اقتصاديّ ـ المفاجأة ـ الحرب الصاعقة ـ نقل المعركة إلى أرض العدو ـ عصيان مدنيّ ـ تدخل دوليّ واستثمار هذا الموقف.
تنجح الاستراتيجية عندما تُوفق لاختيارِ وسيلة أو عدة وسائل هي الأفضل لتحقيق الهدف. وبعبارة أخرى هي النجاح في تحقيق وتأمين التوافق والملاءمة بين الوسيلة والهدف، وكذلك في إيجاد الأثر النفسيّ الذي يحدث الاضطراب ويستهدف مباشرة حالة الاستقرار لدى الخصم فتنهار ثقته بنفسه وعوامل القوة النفسيّة، ما يؤدّي إلى ضعف الإرادة وخوار العزيمة، وبالنتيجة يكون أقرب للقبول بالشروط عليه قسراً وقهراً نتيجة استبداد شعور العجز لديه، وبعبارة أخرى استهداف العدو في خياراته وحصره بخيار واحد فيما تتوفر حزمة من الخيارات المتاحة وتتم المفاضلة بينها لاختيار أفضلها تحقيقاً للهدف.
نماذج الاستراتيجية:
ـ التهديد المباشر: يستخدم هذا النموذج إذا كان الهدف المراد بلوغه متواضعاً ولدينا وسائل على درجة كبيرة من القوة فيمكن أن يؤدي بالعدو للموافقة على الشروط المراد فرضها عليه بالتهديد المباشر.
ـ الضغط غير المباشر: يستخدم هذا النموذج أيضاً إذا كان الهدف المراد بلوغه متواضعاً ولم تتوفر لدينا وسائل على درجة كبيرة من القوة فيجرى البحث عن قرار الردع باستخدام أفعال أقل ومخادعة أكبر في الميادين السياسيّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة كما تستخدم هذا النموذج في الحالات التي يكون مجال حرية استخدام القوة فيها محدوداً ونشهد استخدامها بكثافة في كثير من مناطق العالم الغربيّ والعربيّ.
ـ الأفعال المتتابعة: بُستخدم هذا النموذج إذا كان الهدف المراد تحقيقه مُهمَّاً، وكان مجال حرية التصرّف والوسائل محدودة ـ وهذا النموذج صالحة للبلدان القوية دفاعيّاً والراغبة بأن تبلغ أهدافها تدريجيّاً أو البلدان التي تحميها الطبيعة الجغرافيّة ومن عيوب هذا النموذج أنّه يؤدي إلى حصول نزاع على نطاق واسع وقد استخدمه هتلر قبل الحرب العالمية الثانية ولم ينجح.
ـ النضال العام والمستمر: يستخدم هذا النموذج إذا كان مجالُ حرية التصرُّف كبيراً والوسائل المتوفرة على درجة من الضعف بحيث لا تسمح بتحقيق نصر عسكريّ سريع فمن الممكن اللجوء إلى اتباع استراتيجية النزاع الطويل الأمد الهادف إلى التخاذل المعنوي والتعب لدى العدو (حروب التحرّر من الاستعمار)
ـ النزاع العنيف : يستخدم هذا النموذج إذا كانت الوسائل العسكريّة المتوفرة على درجة كافية من القوة والقدرة فيتمّ التوصل إلى جعل العدو يتخذ قراراً لمصلحتنا عن طريق النصر العسكريّ نتيجة لمعارك شديدة وحادة وسريعة إذا كان ذلك ممكناً من خلال هذا النموذج العنيف الهادف إلى تحقيق نصر عسكريّ. وهكذا يتوجب على الاستراتيجية أن تختار بين هذه النماذج عبر تفكير منطقيّ واستراتيجيّ فضلاً عن دمج المعطيات النفسيّة والمعنويّة بواسطة سلوك فكريّ وعقلانيّ قادر على تحليل واستخلاص النتائج وتحديد الأهداف.