المايا….حضارة يخلدها الحجر

إعداد: عبد الرحمن محمد –

تتعاقب الحضارات وتتكامل في مجالات وحالات وقد يأكل بعضها بعضاً أحياناً – إن صح التعبير- فالكثير من الحضارات قامت على أنقاض حضارات أخرى، وأكملتها في حلة جديدة أو أنها قضت عليها وأنهت وجودها أو قرّبتها من الاندثار، ومن تلك الحضارات حضارة «المايا» التي سادت في أمريكا الجنوبيّة في مناطق غواتيمالا وأجزاء من المكسيك، وهندوراس والسلفادور وهي موطن شعب هنود المايا، الذي تعود جذوره إلى ألفي عام قبل الميلاد، وبلغ أوجه سنة 700ق.م. وكان وصول الإسبان والأوروبيين إلى الأمريكيتين سبباً في تدميره.
ما تزال بقايا الأوابد «الماياويّة» تشهد على عظمة تلك الحضارة التي كانت حضارة طبيعيّة كلاسيكيّة كما يسمّيها البعض، ومنها الأهرامات التي عرفت بها حضارة المايا وكان بناؤها مستمرّاً حتى بعد وصول الإسبان إلى المنطقة والسيطرة عليها، وكذلك ما تزال المعابد التي أقيمت على المرتفعات والأواني الفخاريّة المميزة، وكتاباتهم الخاصة التي عرفت بالكتابة التصويريّة كفن «الأفريسك» والكتابة الرمزيّة «الهيروغليفيّة».

ملامح من حضارة وثقافة المايا:
لم يعرف المايا حتى عهود متأخرة استخدام الحيوانات في النقل والركوب، وعرف عنهم نقل تجارتهم بحملها على ظهورهم، أو في قوارب مجوّفة من الأشجار، وعرفوا التقويم الخاص بهم، حيث كانت السنة تحوي 18 شهراً وفي كلّ شهر عشرين يوماً يُضاف إليها خمسة أيام كلّ عام، تمارس خلالها طقوس خاصة بوداع عام واستقبال عام جديد، وعرفوا الحساب والترقيم، وكانت الحسابات كما اللغة أحياناً «رمزية» أي تحوي اشكال ونماذج حيوانيّة تدلّ كلّ منها على رقمٍ أو حرف معين، وعرفت المدن والتجمعات السكانيّة كمدينة «كولان» في هندوراس، وكانتِ الطرق تربط بين المدن وكذلك الشوارع في داخلها.

اليوم المعاشيّ لدى المايا:
عرف المايا الزراعة عبر استخدام ادوات بسيطة للحفر، ثم تطورت أساليبهم وابتكروا أساليب جديدة، وعرفوا عشرات المنتجات الاقتصاديّة الهامة كالأفوكادو والفلفل والأناناس والبطاطا والعديد من الأشجار، وقاموا بتربية اللاما وكلاب الصيد والحراسة، كما برعوا في الصيد وصناعة أدواتهم الخاصة التي أبدعوا في صناعتها، كذلك في صنع التماثيل الحجريّة الصغيرة، وكذلك صناعة الفخاريّات الخاصة والمنسوجات التي أبدعت فيها المرأة الماياويّة، وكان الأهالي يبيعون السلع بالمقايضة أو يشترونها بحبات(كالفول) الكاكاو التي كانت تستعمل كعملة في البيع والشراء.

بنية مجتمع المايا ومعتقداته
أُطلق لقب «كولاهو k’ul ahau» على ملوك المايا، ومعناها «الحاكم الأكبر والمقدّس» لأنّ الملك كان له السلطة السياسيّة والدينيّة. بينما كان المجتمع منقسماً بشدّة بين طبقة غنية وأخرى فقيرةٍ جداً من القرويين والفلاحين، وكان التمييز بين الطبقات واضحاً من حيث اللباس والهيئة حتى في تسريحات الشعر لدى المرأة حسب الطبقات. وكان يوجد العبيد من الأسرى والمجرمين، وراجت تجارة العبيد، حتى أنّ البعض كان يبيع نفسه في سبيل تأمين لقمة العيش، بينما وكان البعض يُقدَّم كقرابين للآلهة.
عرف الماياويون آلهة الزراعة وعبدوها، وكذلك قدموا الأضحية والقرابين offerings لآلهتهم في مذابح المعابد المبنية على القمم، وفي الأهرامات الكبيرة التي كانت تُقام وسط المستوطنات الكبيرة، وكان الإله الأكبر (هوناب كو Hunab Ku) خالق العالم وكان أهم الآلهة، والإله (إيتزمنا (Itzamna إله السماء مالك السموات والنهار والليل يرسل المطر وراعي الكتابة والطب. وكانت عبادته قاصرة علي الكهنة. وآلهة أخرى كإله الذرة وإله المطر وآلهة (الانتحار Ixta) وغيرها.
كان الماياويون يمارسون طقوساً دينيّة احتفاليّة، ويقيمون احتفالات القداس لهذه الآلهة في أول السنة «الماياوية» في تموز أو في حالة الطوارئ كما في المجاعات والقحط والأوبئة والجفاف. وكانوا يتجمعون في ساحة عامة لتكريم الآلهة, ويضعون كلّ ما أمكنهم من الزينة المتمثلة بالريش والأصباغ، ويتناولون عقار الهلوسة، أو يلعبون لعبة الكرة المقدّسة فوق ملاعب خاصة أقيمت لهذا الغرض، ويتم تقديم الأضاحي البشريّة لنيل مرضاة الآلهة، وكانت تمارس عادة التضحية فوق الأهرامات الحجريّة المشيدة في ساحات الاحتفاليّة، ويعتبر ذلك جلباً لراحة الإله.
سارت حضارة المايا إلى الانحدار بعد القرن التاسع الميلاديّ، وعانى الشعب من ويلات الحروب والاقتتال الداخليّ والجفاف، ثم كان سيطرة الإسبان على المنطقة عام 1520م ورغم المقاومة المستدامة إلا أنّ آخر ممالك المايا سقطت بيد الاسبان عام 1697م لتسير حضارة عريقة نحو الزوال والنسيان.