هند العلي: “هدفنا تحرير عفرين واسترداد الأراضي السورية المحتلة من الدولة التركية”

حوار/ ماهر زكريا ـ مصطفى الخليل –

تشهد منطقة شمال وشرق سوريا أحداثاً سياسية متسارعة وخاصة مع هزيمة داعش في الجيب الأخير لها، في حين تعرضت البنى التحتية في المنطقة للتدمير على يد مرتزقة داعش قبل تحرير المنطقة على يد قوات سوريا الديمقراطية، ويبقى الحديث الأهم عما يدور فيها بعد هزيمة داعش؟ وعن كيفية البدء بإعادة تأهيل وتسريع عملية الإعمار في خطوة لبدء المرحلة السياسية وعودة المهجرين للمنطقة. ومع استمرار التهديدات التركية لمناطق شمال وشرق سوريا لزعزعة الأمن والاستقرار الذي تشهده المنطقة بعد دحر الإرهاب في شمال وشرق سوريا.

وللاطلاع على الأوضاع والخطط المستقبلية لإعادة الإعمار وما يجري من أحداث في المنطقة؛ كان لصحيفتنا حواراً مع الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة هند العلي، وكان الحوار على الشكل التالي:

ـ بعد هزيمة داعش في منطقة شمال وشرق سوريا، ما هي رؤيتكم لهذا النصر الكبير والتاريخي؟

إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال يجب علينا التذكير ببداية سيطرة داعش على المنطقة، وخلال الأعوام التي سيطر فيها داعش على مناطق عدة في مختلف أنحاء سوريا، حيث قام المرتزقة بأفظع المجازر والانتهاكات بحق شعوب المنطقة باسم الإسلام، وحرموا على غيرهم ما حللوا لأنفسهم. وعندما بدأ العد العكسي لهزيمة داعش على أيدي وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب التي تعتبر انعكاساً للقوى الشعبية التي خرجت في وجهه في كوباني، حتى تم تحريرها من براثن الإرهاب ليمتد اليوم إلى فصائل أخرى انضوت تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية؛ ليمتد التحرير إلى آخر معقل من معاقل الإرهاب في بلدة الباغوز وليشمل التحرير عشرات الآلاف من المدنيين الذيين استخدمهم داعش كدروع بشرية لإطالة عمره محاولاً بذلك التقاط أنفاسه لبعض الوقت، وبفضل بسالة قوات سوريا الديمقراطية وشجاعتهم استسلم الآلاف منهم، كما صاحب ذلك تحرير عدد من الأسرى العسكريين والمدنيين من داعش، بعد أن كان توسعه ليس في مناطقنا فقط، بل كان هناك سيطرة له على أجزاء واسعة في العراق أيضاً، حيث اتخذها قواعد أساسية له من أجل التخطيط وتنفيذ العديد من التفجيرات في دول عربية كمصر والأردن ودول أوروبية. ونحن نرى أن هزيمة داعش انتصار ونجاح كبير للشعوب السورية كافة، وتخليص العالم بأسره من إرهابهم. وهذا الانتصار الخطوة واللبنة الأساسية في سبيل حل الأزمة السورية التي أنهكت البلاد في المجالات كافة خلال الثمان سنوات الماضية.

ـ مع هزيمة داعش والقضاء عليه عسكرياً والانتهاء جغرافياً، ما الخطط الأفضل التي ترونها من أجل هزيمة داعش فكرياً؟

 خلال السنوات التي سيطر فيها داعش على المنطقة، استهدف فيها الشعوب بعدد من الجوانب والمجالات منها الفكري والمادي والنفسي، كما استخدم أساليب الترهيب بشكل علني وبحجج واهية. واستهدف المرأة على نطاق واسع بدءاً من طفولتها، وهم لم يبالوا بعادات العائلة ولا بعادات العشائر، ولم يكن يكترث بما كان من عادات وتقاليد المنطقة، فقاموا بغسل أدمغة الأطفال وبخاصة الفئة الشابة؛ وذلك من خلال ضمهم لدورات عسكرية وشرعية فيما سمي بأشبال الخلافة؛ لنشر فكرهم الظلامي بين هذه الفئة. وكانت المرأة مهمشة بشكل كبير وتعاملت داعش معها كسلعة تباع وتشترى، ولم يستثنى أي بيت من ذلك؛ عدا من كان له ارتباط بداعش، فهناك الكثير من النساء تعرضن لانتهاكات من قبلهم. وعلينا ألا نغفل بأن هناك أثر كبير لهؤلاء في المجتمعات التي عاشوا بينهم. لذلك؛ يجب التخلص من فكرهم الإرهابي، وتأثرت الكثير من العائلات التي تُقدر بالآلاف، حيث تعرضت للانتهاكات والظلم؛ ما أثر بشكل كبير على نفسياتهم، وباتت تحتاج للعلاج من تلك الآثار، ونحن نقوم بذلك من خلال جلسات المعالجة النفسية والتوعوية والحد من ظاهرة انتشار حبوب الهلوسة، والنسبة الأكبر هي من الفئة الشابة. والأثر الثاني هو العامل الفكري الذي لا زال منتشراً بين الكثيرين، ومن خلال اللجان المختصة في مؤسسة الشؤون الدينية التي عليها نشر الإسلام الحقيقي وإبراز الدور الديمقراطي، والعمل على متابعة فتح ندوات ومحاضرات ودورات تدريبية، والعمل على افتتاح المدارس والروضات وقد تجاوز الكادر التدريسي 2000 معلم. وكان لهم دوراً كبيراً في ترميم ما دمره داعش فكرياً ونقوم بتوعية الفئة الشابة من خلال مجالس الشبيبة، وهم من أساسيات المجتمع وقوامه وهذه الفئة هي من تحدد مستقبل سوريا بإدارتها وأفكارها، وما أراده داعش من استهدافها، كما تقوم لجنة المرأة بتوعية المرأة وخاصة أن هناك عدد من النساء اللواتي تزوجن من الدواعش، أو تم إلحاق الضرر بهن بأشكال عديدة وذلك باتباعهن ندوات وتدريبات خاصة بالمرأة، وافتتحت مشاريع توعوية وتنموية واقتصادية لها ضمن الإدارة الذاتية. وهناك دور كبير للمرأة في المجالات كافة، وأثبتت قدرتها على خوض كافة التجارب العسكرية والإدارية والسياسية، كما نرى أن لا حل في سوريا دون إدارة المرأة، كما أننا نقوم من خلال مكتب تنظيم المجالس بتشكيل مجالس للأحياء التي من خلالها يتم تشكيل لجان تنظيمية وخدمية وغيرها.

ـ ما هي رؤيتكم للمرحلة السياسية القادمة في شمال وشرق سوريا خاصة، وفي سوريا عموماً؟

بعد تحرير المناطق على أيدي قوات سوريا الديمقراطية، تم تشكيل الإدارات المدنية والديمقراطية لسد الفراغ سياسياً وخدمياً ممثلة من المكونات الموجودة كافة، وعملت تلك الإدارات على قَدم وساق لتلبية الاحتياجات لشعوب المنطقة خدمياً وسياسياً واجتماعياً، كما نسعى من خلال المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية مجلس سوريا الديمقراطية لحل الأزمة السورية من خلال الحوار السوري ـ السوري، وتوطيد العلاقات الدبلوماسية مع الدول الضامنة لإنهاء الأزمة في سوريا، وتوحيد الأراضي السورية وتحرير عفرين والمناطق السورية المحتلة من قبل الدولة التركية، والعمل على إيجاد دستور جديد يحفظ حقوق كافة المكونات والطوائف الموجودة فيها، والعمل على تحقيق نظام لا مركزي ديمقراطي. نؤكد على ضرورة الحل السوري ـ السوري ونرى أنه لا حل ولا دستور دون مجلس سوريا الديمقراطية.

ـ تدمرت البنى التحتية في المنطقة من قبل داعش، كيف ستتم إعادة إعمار المنطقة لتسريع عودة اللاجئين؟

بعد تحرير المنطقة من الارهابيين على يد قوات سوريا الديمقراطية؛ بدأنا بتشكيل المجلس التنفيذي، واللجان التابعة له وبدأ العمل بإزالة الركام ومخلفات الحرب في المدينة، ومن ثم تم إعادة تفعيل العنفات في سد الفرات، وإصلاح محطات تحويل الكهرباء وترميم الشبكات التي خُرِبت من قبل داعش، وعادت الكهرباء إلى المنطقة من جديد. كما قامت لجان الإدارة المحلية والبلديات بتقديم العديد من المشاريع الخدمية حسب الضرورة والإمكانية المتاحة لها، ومنها مشروعي الصرف الصحي والمياه والذي يعتبر من أهم المشاريع في المنطقة، حيث تم استبدال وإصلاح ما يقارب 6000 متر صرف صحي و6000متر خطوط شبكة مياه شرب، وبدأت البلديات بإصلاح الطرق من جسور وعبارات مدمرة وإعادة تفعيلها، بالإضافة لأعمال النظافة في المنطقة كافة. وإنشاء المراكز الخدمية التي تساهم بإعادة الإعمار للبنى التحتية، وتأمين الخدمات للشعب وتم ترميم وافتتاح  197 مدرسة لتستمر العملية التعليمية في المنطقة، وتوافد المهجرين للمدينة مع العلم أن منطقتنا تحوي عشرات الألاف من النازحين من مناطق النزاعات والحروب، وهذا يدل على توفر البنى التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي وطرقات معبدة وسكن ومدارس للتعليم.

ـ تركيا تهدد المناطق التي تحررت من داعش، هل ستغير الدولة التركية من استراتيجيتها بعد هزيمة داعش؟

 نعي جيداً أن تركيا كانت جاراً من الطراز الأول خلال السنوات التي سيطر فيها مرتزقة داعش على المناطق الحدودية، ولم يصدر عنها أي تصريح يتطرق إلى خطرهم وتهديدهم لأمنها القومي، بل فتحت الحدود أمامهم وكانت ممولاً وداعماً لهم، وقدمت لهم جميع أنواع الدعم اللوجستي والعسكري وفتحت لهم الممرات الآمنة والمقرات التنظيمية داخل تركيا، ومع محاصرة داعش واقترابه من الهزيمة ارتفعت لغة التهديد والوعيد لرئيس الدولة التركية رجب طيب أردوغان باجتياح مناطقنا المحررة والمستقرة في شمال وشرق سوريا؛ وذلك لرد الاعتبار للمرتزقة المهزومين. ومن المؤكد أن الدولة التركية تسعى لإعادة أمجاد الدولة العثمانية في سوريا وتعطيل حل الأزمة السورية، ونرى أنه من الضروري على العالم إجبار الدولة التركية على تغيير سلوكها، فبعد نهاية داعش يجب تحرير إدلب والمناطق المحتلة الأخرى من قبل الدولة التركية وإيجاد حل للأزمة السورية.

ـ هناك حديث عن حدود آمنة بشمال وشرق سوريا، هل ترون أن هناك حاجة لقوات سلام في المنطقة؟

بالتزامن مع التهديدات التركية المستمرة وطرح موضوع المنطقة الآمنة في شمال وشرق سوريا، نحن نرى أنه من الضروري أن تكون هذه الحدود الآمنة برعاية دولية إذا ما أقيمت، كما أن قوات سوريا الديمقراطية هي من أبناء شمال وشرق سوريا، وهي التي حررت هذه الأرض، كما أننا لم نهدد تركيا، بل هي من تقوم بذلك، ولن نقبل بأن تكون الحدود الآمنة تحت رعاية تركيا وتحت أي مسمىً كان.

ـ شاركت وحدات حماية المرأة في هزيمة داعش، هل بإمكانكم التحدث عن هذا الدور في تحقيق النصر؟

تعرضت المرأة للتهميش حوالي  أكثر من 5000 سنة، واقتصر دورها على أن تكون خادمة وحاضنة للأطفال في البيت. ولكن؛ المرأة ومن خلال مفهوم الأمة الديمقراطية استعادت دورها الحقيقي ومكانتها في المجتمع، وحقها في المساواة مع الرجل. أثبتت المرأة قدرتها على النضال في المجالات كافة، وقد تميزت وحدات حماية المرأة من خلال مقاومتها ودحر الإرهاب، فها هي اليوم تقود أقوى المعارك ويستسلم أمامها أمراء داعش وقاداتها، وكان لوحدات حماية المرأة الدور الأكبر في تحقيق النصر؛ فإن لم تكن مقاتلة فهي أم مقاتل.

ـ هناك محاولة لخلق فتن بين شعوب المنطقة من قِبل بعض الأطراف، ما دور الإدارة المدنية الديمقراطية للقضاء على الفتن وتعزيز وحدة الشعوب؟

في الفترة الماضية وبخاصة بعد تصريح الرئيس الأمريكي المفاجئ بانسحاب القوات الامريكية من شمال وشرق سوريا، بدأت أجندات الجهات التي لا تريد الاستقرار في هذه المناطق، بخلق الفتن ومحاولتها التصعيد فيها إلا أنها باءت بالفشل؛ وذلك ليقين وإيمان هذه الشعوب ووعي شيوخ ووجهاء العشائر في المنطقة، بالتنسيق مع لجنة العلاقات العامة التابعة للمجلس التنفيذي ومجلس صلح العشائر واتصالها المباشر مع مكونات الشعب، الأمر الذي ساهم في التخلص من تلك الفتن وحل الخلافات التي ظهرت.

ـ هناك مشاريع استثمارية بالمنطقة في القطاعين العام والخاص، هل هذه المشاريع تُلبي متطلبات المنطقة في الوقت الحاضر؟

بعد تشكيل المجلس التنفيذي واللجان التابعة له؛ بدأنا بدعم المشاريع الاستثمارية بتشكيل دار الجمعيات التعاونية، وتقديم التسهيلات اللازمة كافة؛ لتلبية الحاجات الأساسية للمجتمع على أسس العمل المشترك والتضامن وليس الربح المادي، حيث قمنا بإقامة المشاريع التجارية حسب احتياج المنطقة لها، وتوفير الخبرات واليد العاملة للقضاء على الرأسمالية والاحتكار ومحاربة البطالة التي انتشرت بسبب الحرب. أما بالنسبة للقطاع العام؛ فهناك مشاريع عدة منها زراعية ومنها ما يخص الثروة الحيوانية ومنها مشاريع خاصة بالمرأة، ولا شك إننا بحاجة أيضاً لعدة مشاريع أخرى استثمارية في الفترة القادمة.

ـ في الآونة الأخيرة كانت هناك نشاطات لبعض الأحزاب السياسية في المنطقة؛ كيف ستكون علاقتكم بتلك الأحزاب لتكوين رؤية سياسية موحدة في المنطقة؟

تشكل الأحزاب السياسية حجر الأساس في كل مجتمع ديمقراطي، فهي تجمع مصالح الشعب، وتعبر عنها من خلال طرح سياسات عامة وتأمين البنى اللازمة للمشاركة السياسية، فضلاً عن تدريب الأحزاب للقادة السياسيين، ومن خلال هذه الأحزاب تتم الاجتماعات واللقاءات الدورية على مستوى شمال وشرق سوريا خاصة وسوريا عامة. وتتناول اجتماعات الأحزاب ضرورة ترسيخ علاقات التآخي بين شعوب المنطقة، بما يعزز التلاحم المجتمعي ويسد الطريق أمام الفتن والدسائس الرامية إلى تشتيت الصف الوطني، والتأكيد على الاستمرار في مشروع الأمة الديمقراطية الذي يخدم مصالح جميع شعوب المنطقة، وكما أنه يوجد ممثلين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للأحزاب والكتل السياسية كافة في المنطقة.