قراءة فى حادث نيوزيلندا

فادي عيد –

استيقظنا صباح الجمعة 15 آذار الجاري على حادث إطلاق نار على المصلين بمسجدين في نيوزيلندا أقل ما يقال عنه حادث بشع راح ضحيته 49 شهيداً، وهنا يظهر لنا الاتي:

أولاً: درجة الرعب التي تعيشها الثقافة الغربية من اضمحلال هويتها أمام موجات اللاجئين التي تُضرب بلادهم منذ 2012م.

ثانياً: كيف طالت تداعيات الحرب الدائرة في الشرق الأوسط بلاد تبعد عنها آلاف الأميال، وتفصل بينها بحار ومحيطات.

 ثالثاً: تأثير الخطاب العنصري العرقي المتزايد في تلك الدول وكيف جاء تأثيره، وكيف يستغله اليمين المتطرف!!.

رابعاً: مدى نفوذ اليمين المتطرف المتصاعد والذي جاء كرد فعل على موجات اللاجئين التى ضربت تلك البلاد، وهددت أمنها بشكل مباشر حتى شاهدنا كيف أن دولة مثل السويد كانت أكثر دول العالم أمانًا تعاني الأَمَرَّينِ.

فحادث نيوزيلندا الإرهابي يدق جرس إنذار صريح تجاه شكل المستقبل بين المجتمعات الغربية والجاليات المسلمة فيها، وكيف باتت الثقافة الغربية تستشعر الخطر على هويتها من اللاجئين، وكيف يستغل ذلك اليمين المتطرف. وبعد تلك الاستنتاجات عندما نحلل المشهد بهدوء وبعمق؛ سنرى حينها أن الصدام الجاري الآن ليس بين المسيحية والإسلام، فالمسيحيون صاروا قِلة في الدول الغربية بعد تضاعف أعداد الملحدين، ولا يوجد دولة مسلمة الآن بمفهوم الدولة الإسلامية، أو حتى دولة تتحرك أو ترعى مصالح المسلمين أياً كانوا ولو حتى مسلميها، فغالبية الحكام المسلمين مشغولين بأمور قد تأتى آخرها مصالح ورعاية شعوبها. ولكن؛ الصدام الجاري هو صدام بين الحضارة والثقافة الغربية العلمانية المتمثلة فى الأنظمة الحاكمة وشعوبها، أمام لاجئين فارين من جحيم الشرق الأوسط وإفريقيا بثقافتهم الأصولية بجانب نظام الدولة التركية الحالي. نعم؛ النظام الأصولي التركي هو من أخطر الأنظمة التي تهدد أوروبا، وهذا ما قاله صراحةً رئيس الأركان في الجيش الفرنسي في حديث لمجلة لوبوان الفرنسية 2012م؛ عندما وجهت الصحيفة سؤالاً له فحواه ما الخطر الذي يهدد أوروبا والأمن العالمي حالياً؟

وكانت إجابة إدوارد جيو عليها إنها معسكرات تنظيم القاعدة في جنوب تركيا، وتحديداً في مدن كارمان وعثمانية وشانلي أورفا، ولا أعتقد أن الأتراك أنشؤوا تلك المعسكرات في هذه المدن هكذا اعتباطاً، بل هم سيزحفون علينا يوماً ما قبل أن يصدِّروا إرهابهم لكافة دول الشرق الأوسط بأكمله. وكي تتأكدوا من صحة كلامي وأنا لا أبالغ أو أتهم طرفاً بالباطل، فعليكم مشاهدة مقطع الفيديو الذي بثه الإرهابي برينتون تارانت، وقراءة العبارات التي كتبها على بندقيته، ومنها “التركي الفج” و”اللاجئون أهلًا بكم في الجحيم” ووقف تقدم الأمويين الأندلسيين في أوروبا و”1683 فيينا”، في إشارة للمعركة التي خسرتها الدولة العثمانية ومثّلت نهاية توسعها في أوروبا، وتاريخ 1571م، في إشارة واضحة إلى “معركة ليبانتو” البحرية التي خسرتها الدولة العثمانية أيضاً. حتى علق الرئيس التركي أردوغان قائلاً: “يبدو أن الإرهابي كان يستهدفني أنا شخصياً ويستهدف بلادي، نعم برينتون إرهابي لعين ولكنه ليس مختل عقلياً على غرار إرهابيين بلادنا، برينتون يعلم التاريخ جيداً وليس أمي جاهل مثل إرهابيين بلادنا”. ولذلك؛ استشعر خوفاً شديداً على بلاده وعلى هوية أمته، وهنا تكمن الكارثة وكيف سيكون شكل المستقبل، فى ظل صعود اليمين المتطرف كردة فعل على ما لاصق بينا تارة وما ارتكبناه تارة أخرى منذ 11 أيلول 2001م (واقعة تفجير برج التجارة العالمي) وحتى الآن.

وحينها بالتأكيد سيكون هناك العديد مثل برينتون لو جائت أمامهم الفرصة وتوافر لديهم السلاح، وهنا تتجلى مدى خطورة المشهد، وأن الأمر ليس سهلاً ولن يكون مجرد حادث عابر، ويحتاج جهد من كل المستويات وبين كل الأطراف التى هنا وهناك، كي لا يتكرر ذلك الحادث البشع مجدداً. أخيراً وليس آخراً لا يفوتنا ذكاء أردوغان في استغلال المشهد وكيفية الظهور فى الصورة ليظهر من جديد أنه حامي حمى الإسلام، والمدافع الأول عن الشعوب المسلمة، وهو أمر بارع فيه منذ منتدى دافوس كانون الثاني 2009، ويحسب له، و يا لها من صدفة، فمنذ أيام قليلة أعاد قول قصيدته التي أدخلته السجن، والتي يقول فيها أردوغان: “المآذن رماحنا والقباب خوذاتنا والجوامع ثكناتنا والمؤمنون جنودنا”؛ ما قد يكون محل إدانة واسعة من الأوروبيين.