المرأة المنبجية في عام 2018 تُشيد بروح المقاومة وثبات التّنظيم

روناهي/ منبج ـ لقد دأبت الجماعات المسلحة طيلة فترة حكمها على مدينة منبج في حسم جعل المرأة لجانبه والاستفادة من دورها الرّيادي في المجتمع؛ كونه يرى فيها المحرّك الذّي يخدم مصالحها إلّا أنّ ذلك جاء بردّة فعل عكسيّة على أجندتهم التّخريبيّة؛ متمثّلاً بأنّ دور المرأة؛ بنّاءاً وهي مربية للمجتمع. فتهمّش دورها، وتقيّد فكرها من قبلهم بشكل حادّ وكبير.

ولكن بعد مجيْ ثورة روج آفا في الشّمال السّوري؛ أخرجت المرأة من رحم العبوديّة، وقمقم الخنوع والهوان؛ فاستطاعت تقوية شخصيّتها بشكل يتماشى مع قدراتها وطاقاتها؛ لتنطلق نحو التّقدّم والرّقي. فلم يكن تصوّر قبل فترة قليلة؛ من تحرير مدينة منبج؛ أنّ بوسع المرأة إنجاز ما حقّقته بكل جدارة واستحقاق. فتمثّل انتقالها كحاجة طبيعيّة إلى مرحلة التّغيير الفكري، بعدما مرّت سنوات على وضع الخطوات الأولى؛ لمرحلة التّأسيس. انطلاقاً من أنّ الواقع في منبج؛ يحتاج لمزيد من العمل الدّؤوب.

لمعرفة أبرز التّطوّرات والإنجازات على مستوى الجانب التّنظيميّ، فضلاً عن الانقلاب الفكريّ في شخصيتها، وبهذا الخصوص التقت صحيفتنا بالإدارية في مجلس المرأة؛ هناء الشّريف؛ لتحدّثنا في بدء الحاجة الماسة لتقبل فكرة التّغيير وتجذرّها بأعماق نفسها، لتخط الطريق نحو مجدها بالقول:” أستطيع القول إن المرأة قد ارتدت رداء للفكر الجديد منذ انطلاق ثورة روج آفا، وتحرّرت نوعاً ما من مظاهر السّيطرة، والنّظرة الدّونيّة لقدراتها، وطاقاتها الكامنة لديها. وسأعرض بعض الإنجازات التّي تمكّنت المرأة من تنفيذها؛ مذ تأسّس مجلس المرأة في مدينة منبج؛ لممارسة أعماله على نطاق واسع، للخروج من هذا الواقع الرّتيب.

كونفرانسٌ وحد فكر المرأة

ونوهت بأنه في أواخر العام السّابق؛ تم عقد الكونفرانس الأول للمرأة في مدينة منبج وريفها. وكانت القيمة الفكريّة له الاتساع الجغرافي، على مستوى شمال وشرق سوريا، باعتبار عدد الحضور والتّنوّع الفكري الذّي كان ضمن برنامج مكثّف من الفعاليات المتنوّعة عبر الحضور النسويّ اللافت للغاية؛ والتّي ضجّت به قاعة الاجتماعات بشكل هائل. فقد حضره وفود من كافة مناطق شمال وشرق سوريا، بهدف الوقوف على واقع تنظيمهنّ الإداري، وبثّ روح المقاومة في نفوسهنّ، إزاء وضع سياسيّ؛ لا يقلّ قوّة ممّا ساهمن به من طرح أفكار للمقاومة، والوقوف بجانب الرّجل في قضايا لم تكن لتُطرح من قبل.

تأسيس المجلس انقلاب على المفاهيم الفكرية

وفي حديثها عن ضرورة بلورة المرأة في مدينة منبج بعد التّحرير، وضرورة تأسيس المجلس، قالت هناء: “لابد الإشارة أنّ تأسيس مجلس المرأة كان في نهاية 2017 كحالة وجود مفروضة من خلال الواقع مأساوي؛ عاشته المرأة، ككتلة سوداء ملتهبة في ظلّ حكم داعش. مسلوبة الفكر والإرادة، فكان تأسيس المجلس حالة للقيام بانقلاب على المفاهيم الفكرية السائدة في المجتمع، إذ استمرّ مجلس المرأة بعقد اجتماعات متواصلة لمدّة ستّة أشهر. على إثرها قمنا بتقييم العمل؛ كمرحلة أوليّة، ومن ثمّ تشكيل منسقية للمرأة من كافة المكوّنات؛ فضم جميع ممثّلات المنسقيّة؛ عضوات باعتبارهن متحدثات باسم كلّ مكوّن على حدة، وذلك للاطلاع على أعمالهنّ، وطرح مشاريعهنّ، وتفعيل دورهنّ بالشكل الأمثل، وخلاصة القول إنّ مرحلة التّأسيس؛ كانت واثقة الخطى، وناجحة بكلّ ما في للكلمة من معنى”.

وبعد مرحلة التّأسيس قام مجلس المرأة بفعاليات، ومنجزات للمرأة في مدينة منبج خلال العام السّابق، فقالت:” استطاع مجلس المرأة المضي قدماً في نجاحه، فنظّم نفسه أكثر، وتبلور الفكر بشكل أعمق، وخرج من دائرة التّكوين. لينتقل إلى مرحلة التّأثير في الأخرين. وذلك من خلال اجتماعات دورية شهريّة، وإعطاء محاضرات فكريّة؛ لتوعية المرأة فكرياً، وتعريفها بدورها الرّيادي. كما قامت العديد من العضوات، وفي خطوة سابقة من نوعها في هذا المجال؛ بزيارة النّساء في منازلهنّ؛ والتعرّف على معاناتهنّ، وتعريفهنّ بمؤسّسات المرأة، ودورها القيادي. وبثّ ثقتهنّ بأنفسهنّ. وشهد هذا العام انضمام جميع العضوات في الإدارات، واللجان، والمجالس إلى الأكاديميّة الفكريّة الخاصّة بالمرأة، وأكاديميّة الشّهيدة زيلان حلب”.

أخرجت ذاتها من قمم العبودية

وعن تبدل حال المرأة من واقع قديم؛ يشوبه السّلطوية من قبل العائلة والمجتمع، وبين واقع جديد تمثّل برؤية فكريّة؛ أخرجت المرأة من قمقم العبودية، أضافت هناء:” لقد عاشت المرأة عصوراً طويلة من الظّلم والجهل والضعف؛ ممّا أدّى إلى استعبادها عن دورها الطّبيعي؛ لما كانت تمثّل في بعض المجتمعات الآلهة الرّبة، وحين انقلب المجتمع الذّكوري على تلك المفاهيم التّي ترى في المرأة الوجود والنّماء والصّفاء. ففقد المجتمع الطّبيعي؛ التّوازن بين الحقوق والواجبات الأسريّة. وانزوى عن القيم الصّحيحة. وتفرّد بالسلطة، وسلب منها كافّة حقوقها، وكبت طاقاتها، فلم تعد تمثّل نصف المجتمع.

والمرأة مرّت بحالة من الغيبوبة؛ أفقدتها عدم معرفتها بقدراتها، وطاقاتها، فلم تكن تدرك ذاتها بشكل جيد، فاستفاد الرّجل السّلطوي والمجتمع من انفصامها عن نفسها؛ ليطبّق عليها عادات وتقاليد نفذّت ضمن منظور خاص وخاطئ بالمطلق. فبدا أنّها حكمت بمعيار أخلاقيّ؛ بينما الحقيقة عكس ذلك. فوقعت فريسة سهلة لتلك التّقاليد المغالطة، سليبة الإرادة والفكر، فكانت أبسط مهمّة توكل إليها تنفيذ الواجب الأسري بدون تفكير، وكأنّها خادمة تلبّي الطّلبات فقط. فكلّنا نتذكّر عصر الظّلام داعش الذّي صّير المرأة إلى كتلة سوداء، مسلوبة الحقوق. فعانت المرأة خلال فترة تواجد داعش لمدّة ثلاث سنوات من الخطف والنّزوح والسّبي والرّجم، وأصبحت سجينة منزلها، معادلة بذلك الرّقم صفر، دون أي قيمة جدوى”.

وواصلت هناء القول:” لقد استطاعت المرأة؛ مشاركة الرّجل في تحرير منبج؛ لأنّها عانت أولاً جراء الاضطهاد في تلك الفترة؛ وبدءاً من عصر جديد؛ نالت المرأة فيه جزءاً من حرّيتها ضمن قواعد وأصول فانخرطت في المؤسسات المدنية والمجالس، وعملت على تنظيم نفسها، ووقفت سدّاً منيعاً في وجه العادات والتّقاليد البالية، وتمسّكت بالعادات والتّقاليد الموروثة، والتّي تتناسب مع فطرة الإنسان الصّحيحة، وأصبحت شريكة مع الرّجل في كلّ مجالات الحياة”.

خطة مجلس المرأة في منبج

وانتهت هناء في ختام حديثها؛ في ذكر آفاق عمل المجلس خلال العام الحالي قائلة: “يقوم مجلس المرأة في مدينة منبج؛ لإعداد خطّة؛ تتضمّن المزيد من زيادة الوعي لدى النساء المنبجيات، وحثهنّ على الانضمام لجوقة النّساء العاملات في حقل الفكر الدّيمقراطيّ، فقد شعرن النّساء اللواتي انخرطن، وخضن هذه التجربة إلى تبدّل حالهنّ إلى الأفضل كثيراً. ويتأتّى ذلك بتنظيم زيارات إلى جميع البيوت من أجل تعريف المرأة على هويّتها، وإسهامها الحضاري، وحقيقتها التّاريخية الكبيرة، ودفعهنّ لرؤية حياة أفضل تحت المجهر ضمن الحالة الاجتماعية للعائلة والمجتمع. فهي لم تخلق حبيسة جدرانها، بل عليها أن تكون شريكة فعّالة.

 وأخيراً يجب أن تتسلّح المرأة بالوعي والثّقة بالأخلاق؛ لتستطيع أن تكون شريكاً فعّالاً مع الرّجل لبناء مجتمع سليم؛ يرتكز على أسس سليمة، وهذا لأنّ المرأة هي نصف المجتمع، وهي التّي تربّي النّصف الأخر”.