سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشرق الأوسط… الأزمات والحلول الممكنة -1-

تحقيق/ فيروشاه أحمد –

في الوقت الذي كان الشرق وتحديداً ميزوبوتاميا “بلاد ما بين النهرين” مسرحاً إنسانياً يرفد كل الشعوب بأرق ثقافة اجتماعية، وأصبح هذا الشرق فيما بعد مهداً لذهنية مجتمعية لكل الشعوب والثقافات، ولم تكن تلك الثقافة سلطوية ولا هرمية بقدر ما كانت ذات مبادئ وأسس اجتماعية قوامها الأول الأخلاق المجتمعية. لكن؛ بعد الانكسار الجنسوي الأول عام 3500 قبل الميلاد وظهور “الرجل الشامان” على هيئة الملك المقنع يلبس ثوب السلطة والهيمنة، ومن خلال تسخيرهم الكهنة بتثبيت دعائم الاستغلال البشع للإنسان والأرض؛ تغيّرت الأحوال في الشرق الأوسط تدريجياً بالانحدار نحو السلطة وخلق الأزمات.
 وتتوالى العهود والعصور ويتجدد فيها الصراع بشكل دائم، ومنذ أكثر من قرنين؛ بات الشرق الأوسط شرق الأزمات والحروب والأنظمة القوموية والشمولية التي تعمل دائماً على الفتن الداخلية من خلال أيديولوجية واحدة، وتعمل من جهة أخرى على الأنظمة الحداثوية والرأسمالية كي تطيل من عمرها وتدافع عنها مقابل عقود استثمارية تستغل فيها الناس والثروات.
التهميش والطبقية

وحاولت الأنظمة المتعاقبة في الشرق الأوسط العمل بالحفاظ على مجموعة قضايا اجتماعية في حالة مترهلة، مثل المرأة والقبلية والدين ومذاهبه، إلى جانب قضايا المدنية والبيئة، وأكدت على تهميش قضايا الطبقات وصراعاتها مع السلطة وإبقاء تلك الصراعات ضمن الأسرة، بينما حافظت على الأخلاق والديمقراطية بمقاييس السلطة والهيمنة.
في الوقت الذي ركنت الأنظمة الرأسمالية في أوروبا بعد نهضتها إلى السلام في مجتمعاتها، من خلال نظام ليبرالي بعد تحسين السوية المعيشية والديمقراطية المنقوصة، خرجت بأساطيلها وجنودها نحو الشرق، تزرع فيها أنظمة طائفية وقوموية وراديكالية متطرفة، في السياق ذاته؛ لم تهدأ وتستسلم شعوب الشرق لهذه القيم الدخيلة؛ بل كانت تعلن التمرد والثورة من خلال تيارات وحركات مجتمعية كانت بمثابة خطوة نحو التحرر، التحرر من الثقافة المدنية وإحياء وتفعيل الذهنية الكونية التي كانت كنهر متدفق ينساب من أعالي ميزوبوتاميا وتفعيل جريانه مرة أخرى، واتفق أغلب المؤرخين بأن مجمل عناصر الثقافتين المادية والمعنوية تكونت في الهلال الخصيب من 6000 ـ4000 ق.م. (حضارة تل حلف) وكانت بمثابة خطوات هامة لكل الشعوب بالدخول إلى الحضارة الإنسانية.
إخفاء دور المرأة
كان وما زال دور المرأة مهمشاً في مجتمعات الشرق، ويعتبر من القضايا الهامة التي عملت الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط على اللعب بها وعليها؛ كي تحافظ على ديمومة هيمنتها، ولم يأتي هذا التهميش صدفة، بل عن قناعات مؤكدة من قبل السلطات لأنها تدرك قبل غيرها بأن (قضية المرأة هي منبع كل القضايا) ولم تكن البداية قبل القرنين المنصرمين، بل بدأت منذ التحول في البنية السلطوية قبل أكثر من خمسة آلاف سنة.
حتى في تحوله وسيطرته وهيمنته، صاغ من أسطورة وقوانين المرأة ليتمكن من العبور نحو الضفة الأخرى من الثقافة الذكورية. لهذا؛ بقيت المرأة (تئن جراء مكر وجور الرجولة الحاكمة، ضمن النظام الهرمي والدولتي البطريركي الذي أقحمت فيه) وأصبحت الأساطير والقصص التي  تؤرخ بحق المرأة مفاهيم وأخلاقيات هامة في أغلب الأديان حتى التوحيدية منها، فأسطورة خلقها من ضلع الرجل عند البابليين ما زالت ثقافة متداولة لليوم؛ أكد قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في كتابه “أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط”: “المرأة التي دخلت الزيغورات السومرية كإلهة، قد خرجت منها كعاهرة المعبد”، ومن ثم أصبحت جارية تُباع في أسواق النخاسة، وفي العهدين الإغريقي والروماني أقتصر عملها إلى “عَبدة” تهتم بالمنزل فقط، وفي المدنية الأوروبية باتت أداة للجنس، من هذه الوظائف المتعددة التي مرت بها المرأة في الشرق نجمت عنها كل أشكال الاستغلال والقمع، وأضاف أوجلان بهذا الصدد: “لقد حان وقت تنحي التعاطي الجنسوي المتصلب الذليل عن مكانه لصالح الحاجة إلى البحث عن صديق ورفيق”، في التحول المجتمعي الذي رافق الأزمة السورية في شمال وشرق سوريا أصبحت المرأة كياناً له حضوره الواضح، ولا يمكن للحياة أن تستمر بشكل طبيعي وذات معنى ما لم (يتحقق عيش سليم مع المرأة ضمن المجتمع) ولا يمكن هذا أيضاً إذ لم يرتقِ الرجل بثقافته وسلوكه وأخلاقياته باحترام كينونة المرأة.
الانتماء القبلي ضرورة وليس صيرورة
وحتى تتجاوز مجتمعات الشرق الأوسط هذه المفاهيم الخاطئة بحق المرأة؛ لا بد أن تدرك تماماً بأن ثقافة القبيلة والانتماء العشائري والقوموي حواجز مادية بينه وبين المرأة الحرة، في المجتمع الطبيعي كانت (أخلاق العشيرة متفوقة جداً) فكلا الطرفين كان لديه الاستعداد بالتضحية من أجل الحفاظ على هذه الأخلاق المشتركة. لكن؛ في المجتمعات المدنية الدولتية عملت السلطة على إفراغها من محتواها الأخلاقي فتشكلت المقاومة من قِبل العشيرة التي رفضت الخنوع للذهنية الدولتية.
في المرحلة المتقدمة من العصور الوسطى باتت العشائرية تكتسب صفة القوم أو الملة كمكتسب أيديولوجي، وعقدت مع الأديان تحالفاً وقادتا معاً حروباً باسم القومية، هذه الثقافة الجديدة كانت سبباً باستمرارية الأزمات والحروب باسم الدين القومي، وإلا ما سبب الحروب والصراعات بينها وبين اليهود ومن جهة أخرى بينها وبين المسيحيين، من خلال هذا التباين “كان المسيحيون سيشهدون تصفيات في بلاد الأناضول شبيهة من حيث الأسلوب ومتزامنة من حيث التوقيت مع تلك التي عاشها المسلمون في إسبانيا”  لقد خلف الدين القومي قضايا شائكة في مجتمعاته ولم يستطع أن يأتي بالبديل المجتمعي “كسلوك” عوضاً عن كونه “نص مقدس”.
حتى الذين ينتمون لنص مقدس واحد لم يركنوا للسلم فيما بينهم، فالمذاهب المتعددة المنشقة عنها جلبت الويلات والحروب جراء تفاوت مادي وطبقي بين من هم في أعلى الهرم ومن يقبع في الأسفل، (كانت القرون الثلاثة الأولى من عهد المسيحية حافلة بالانقسامات المذهبية، إذ كانت الطبقات والأقوام مضطرة للاستمرار بمصالحها بغطاء مذهبي، وما يجري على المسيحية جرى قبلها لليهود وبعدها في الإسلام).
المدنية… فساد أخلاقي
لكل بيئة ثقافة، والثقافات التي سبقت المدنية ولدت في بيئة مجتمعية تسودها حالة من التشابه في كل مناحي الحياة، كون المرأة (الأم الآلهة) كانت تقود المجموعة (الكلان)، أما ثقافة المدنية التي جاءت مع بدايات سومر فقد شكلت طوابق متعددة (الزيغورات) ولكل طبقة ثقافة، ولكل ثقافة أخلاقيات محددة، وهذا التباين في الثقافات والطبقات ولَّدَ مفاسد اجتماعية ما زالت البشرية تدفع قرابين هذه الخلافات.
 يقول أوجلان: “إن التنافس الحاد بين المدائن كان يفتح المجال أمام صدامات واشتباكات دائمة كانت بدورها تستنفذ إمكانات المدن”؛ بهذا الشكل حاولت المدينة من خلال من يمتلكها (الإمبراطور) أن تخضع كل المدن وتبسط سيطرتها على المدن الأخرى وتسرق فوائدها من احتياطي الشعب، وتعاملت أغلب الإمبراطوريات على الوصاية والتجارة مع الأطراف بكل وحشية، كما وأضاف: “كان الأشوريون يتباهون ويفتخرون بإنشائهم الجدران والأسوار من جماجم البشر”.
المدنية أو التمدن في أوروبا الغربية كانت سبباً في إنشاء المدن الاقتصادية من خلال التجارة والأسواق الكثيرة، ولا يخفى بأن هذه المرحلة كانت بقيادة رأس المال الذي بسط هيمنته على كل حرفي في الريف والمدينة، (فجلب هذا الوضع معه صراعات طبقية حادة) بينما خضعت كلياً بعد الثورة الصناعية للدولة القومية (الثورة الصناعية لم تصبح حلاً) لأنها أفرزت الصناعوية والبيروقراطية وظهرت في الأفق مدناً ضخمة لكنه كتضخم الورم السرطاني ملوثة البيئة. لهذا؛ يمكن القول بأن تاريخ بناء المدينة في الشرق الأوسط كان بداية للدمار واستغلال البيئة، كون هذه المدن تبنّت ثقافة مادية ومعنوية وتنكرت القيم الأخلاقية للمجتمع النيوليتي.
إشكاليات الطبقة والسلطة
مجتمعات الشرق الأوسط سبقت غيرها من المجتمعات بالتعرف على قضايا الطبقة وصراعها مع السلطة، يقول القائد عبد الله أوجلان بهذا الصدد: “نحن نعلم بأن أول منظومة هرمية قبل السلطة تأسست على الشباب والمرأة”، وقد تشكلت السلطة من الرجل المهيمن والراهب والخبرات من الرجال، هذا التحالف بمثابة نواة بدائية وبدئية لكل المراحل التي ستأتي تباعاً، ومن هنا انطلق نظام (البيت الكبير) والأسرة والسلالات، بمعنى آخر تشكل المجتمع بخضوع المرأة والشباب وكل من بقي خارج التمثيل الهرمي.
فيما بعد أصبحت السلالة مركزاً هاماً تتولد منه السلطة، ومن السلطة تشكلت الدولة، بينما بقيت الأسرة الخلية الأصغر في المجتمع، والانتماء لها بات أكثر قوة، وكي تحافظ السلالة على استمراريتها لا بد أن تمتلك أكبر قدر من الذكور، وهذا ما دفعهم إلى تعدد الزوجات، وبالتالي انتشرت الجواري؛ أكد القائد أوجلان: “يكاد يكون من المستحيل العثور على سلطة أو دولة من دون سلالة في مدنية الشرق الأوسط”؛ هذا التناقض ولّد أيديولوجية في القاع لدى الأسرة المحرومة من السلطة، وباتت العائلة ملاذاً ونزعة لكل فرد، حينها أصبحت التقاليد المرتبطة بعدم المساواة مع المرأة ثقافة مؤكدة إلى جانب عدم الاهتمام بالطفل وتعليمه، في حين اندرجت قضية الشرف بنزعة الانتماء للعائلة، يقول أوجلان بصدد هذه الفكرة: “تحليل الأسرة شرط لا بد منه لأجل تحليل السلطة ـ الدولة ـ الطبقة والمجتمع”.
من المفارقات في تشكيل بنية الشرق الأوسط أن السلطة والدولة لم تكن في يوماً ما وسيلة لحل إشكاليات وقضايا الناس، إنما كانت تهدف دائماً إلى خلق أزمات؛ منها أنهم كانوا يعملون على إفراغ المدن من مهمتها الإبداعية وتحويل الأفراد إلى عبيد وتعمل في الوقت نفسه على (عرقلة نمو الوعي الطبقي) من هنا؛ نجد في الشرق السلطة الطاغية أكثر وجوداً من هرمية الدولة، والسلطة دائماً مقرونة بالربح وإلا فهي ليست سلطة.
أزمة المفاهيم الأخلاقية والديمقراطية
كل القضايا الاجتماعية الشائكة التي أفرزتها السلطة في الشرق الأوسط منذ خمسة آلاف سنة وحتى الآن يمكن معالجتها أو التقليل من آثارها السلبية عندما يتم نشر ثقافة الأخلاق والسياسة، والعمل عليهما كظاهرتين أساسيتين لبناء المجتمع وديمومته، يؤكد القائد أوجلان بهذا الشأن: “لا وجود للمجتمع من دون الأخلاق والسياسة، ولو تواجد، فلن يتعدى في معناه ركاماً هلامياً”.
كتعريف بسيط للأخلاق (وحدة وتكامل المواقف التي سلكها المجتمع أثناء البدء في تشييده) هذا التكامل ينحصر في كل النشاطات والأعمال التي ترمي إلى تأمين المأكل والمشرب والملبس والمأوى وتواصل النوع بسوية أخلاقية، وإلا  لا (مجتمع بلا أخلاق) ومن الأجدى أن تصبح هذه الأخلاق تقاليد مجتمعية، حتى السياسة ومهما كانت نتائجها الإيجابية فهي توأم الأخلاق؛ لأنها قرارات تتخذ بحق مجتمع ما كونه يتعرض ويواجه مصير مشترك، ومتى أصبحت السياسة بمفاهيمها تقاليد ملتحمة ومتشابهة بتقاليد الأخلاق ولا يمكن التمييز أو الفصل بينهما؛ حينها يمكن للمجتمع أن يعيش حالة ديمقراطية حقيقية.
والديمقراطية كثقافة وسلوك لا يمكن تجاهلها في نظام أخلاقي وسياسي؛ أكد القائد أوجلان: “يستحيل التفكير أيضاً بمجتمع بلا ديمقراطية”، وفي حال تواجد مجتمع بدون سلوك ديمقراطي سيكون مجتمع مسلوب الرأي والإرادة والتعبير عن الذات، وبالمحصلة قد يصبح هذا المجتمع أدوات مسخرة لمجتمع آخر، بهذا المنطق؛ لا بد من ضرورة مرافقة الديمقراطية في أي نشاط سياسي، يقول أوجلان في ذلك: “السياسة اللاديمقراطية فهي قرارات إجرائية أحادية الجانب عملت بها قوى السلطة والدولة الهرمية المتصاعدة”.
من الملاحظ بوجود علاقة جدلية بين المفاهيم الثلاث “الأخلاق، السياسة، والديمقراطية” فبقدر ما تتلاحم (المدينة ـ الطبقة ـ والسلطة) بقدر من نشاهد ونلمس تراجعاً وتخبطاً في الأخلاق والسياسة والديمقراطية، يتوضح لنا بأن قوانين المدنية الأوروبية هي من صنع معامل البرجوازية، ولا يمكن أن تمثل الأخلاق والسياسة والديمقراطية المجتمعية، كونها بعيدة عن الذهنية الكونية لهذه المفاهيم التاريخية، ولا يمكن تجاهل (الطاقة الكامنة للديمقراطية والأخلاق والسياسة) في مجتمعات الشرق الأوسط، فهي ما زالت تمثل قوة كامنة وحقيقية، هذه القوة هي ستتكفل بتحريك المجتمع نحو الصراع مع السلطة القوية أيضاً بهيمنتها.
الأيديولوجيا والاقتصاد تجاذب أم تنافر؟
قد لا يروق للبعض بأن الاقتصاد في الدولة يدخل في أزمة مع (تجريد المرأة من الاقتصاد) والاقتصاد الرأسمالي قد بنى ذاته على أسس الربح فقط متناسياً كل القيم الأخلاقية والاجتماعية، وهذا التنظيم الاجتماعي  الذي تقوم به الرأسمالية على أساس الربح فقط لهو الجشع بحدّ ذاته، يصنف هذا السلوك بـ (الرذيلة حسب المعايير الأخلاقية) وقد عملت الرأسمالية الغربية على تثبيت هذه “الرذيلة” بشرائع ودساتير مختلفة كي تكتسب صفة الاقتصاد السياسي الذي أنهى المجتمع الزراعي وقضى على القرية وتنكر لقيم المدينة في حين أكد على الدولة القومية ولها الفضل بإبراز الفاشية وهمشت دور المرأة والأسرة، ولم يكتفي بهذا، بل أعلن الحرب على الطبيعة وأدخلت العلم والإعلام في متاهات غير محددة.
من خلال هذه المعايير المختلفة في الأزمات المستفحلة بالشرق الأوسط تظهر الأيديولوجيا كظاهرة اجتماعية وسياسية (لا مجتمع بلا أيديولوجيا) لأنها تمثل القوة الحقيقية للثقافة المعنوية وهي تعني (منطق الأفكار).
 للأيديولوجيا في الشرق الأوسط فضل كبير على انبعاث الحضارات فيها. لكن؛ لو تتبعنا كيف تحولت وتطورت الأيديولوجيا الميثولوجية إلى الأيديولوجيا الدينية ومنها إلى الفلسفية وأخيراً إلى نظريات علمية حينها نتأكد بأن الشرق مهد التطور والتغيير ومدى اهتمام كل عصر أو أيدولوجية بقضايا المجتمع المادية والمعنوية.
في السياق ذاته؛ كان تصور الأيديولوجيا وإدراكها يأخذ الشكل الخيالي ولكن كانت تترجم على الواقع كسلوك ونص لاسترقاق العبيد وبقية الطبقات الدنيا، وبهذا الشكل كانت الأيديولوجيا تساهم بشكل فعال بإقناع من هم في الوسط والقاع من الأفراد.
الجانب الحداثوي للأيديولوجيا لم يكن وحتى الآن يملك القدرة على حل القضايا الاجتماعية، بقدرة أيديولوجيا العصر النيوليتي والعصور التالية في تطور المجتمعات؛ يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان: “فالحل بنمطية التطوري التاريخي والثوري يفرض عيش الصواب قولاً كان أم عملاً”.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle