تنفيذ الاتفاقات المُعلنة، واللعب في مناطق عدم الاتفاق!

 رياض درار –

كان البيان مُعداً في فيتنام، فقط جرى حديث مُقتضب بين الرئيسين ترامب وبوتين في قمة آبيك الاقتصادية في 11تشرين الثاني 2017 وهذا مؤشر على سياسات الكبار وكيف تُرسَم المسارات. وقد تضمن تأكيد الرئيسين على هزيمة داعش نهائياً في سوريا، والارتياح لتفادي الحوادث الخطرة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية ما يتطلب الحفاظ على قنوات الاتصال العسكرية لضمان أمن قوات الفريقين، ويمنع وقوع حوادث خطيرة بين القوات الشريكة لهما. وأكدا أن لا حل عسكري لهذا الصراع وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية في إطار عملية جنيف وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، وأشارا إلى الإعلان من قِبل الرئيس السوري الالتزام بالتغيير الدستوري والانتخابات وأكدا أن هذه الخطوات تفترض التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن  225 بما في ذلك الانتخابات الحرة والنزيهة ـ تحت إشراف الأمم المتحدة ـ ووفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية، وإعطاء الحق لجميع السوريين، بمن فيهم من هو موجود في الشتات للمشاركة فيها. وأكد الرئيسان التزامهما بسيادة سورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها غير الطائفي، كما هو محدد في قرار 2254، وحثا جميع الأطراف السورية على المشاركة بنشاط في العملية السياسية بجنيف ودعم الجهود الرامية إلى ضمان نجاحها.

ولما كانت قرارات خفض التصعيد قد اُتخِذت بموافقة أمريكية؛ فقد أكدا أهمية ذلك كإجراء مؤقت للحد من العنف في سورية، وتنفيذ اتفاقات بشأن وقف الأعمال العدائية، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتهيئة الظروف للتوصل إلى حل سياسي ونهائي للنزاع. بما في ذلك تنفيذ قرار إنشاء منطقة وقف التصعيد في المنطقة الجنوبية الغربية الذي تم التوصل إليه بموجب مذكرة المبادئ الموقعة بين المملكة الأردنية الهاشمية والاتحاد الروسي والولايات المتحدة في عمان (الأردن) في 8 تشرين الثاني.

من استقراء ما حدث لسنة خلت، لا نرى تراجعاً فيما اُتفق عليه إلا بموافقات استجدت، فوقف التصعيد مؤقت ومشروط بعدم وجود فصائل إرهابية. ولذلك؛ تحركت روسيا والنظام بحرية حيث كان هناك إرهاب، والفصائل المعتدلة زوراً تغطي وتتستر وتتقاتل بينها على المكاسب، فكانت النتيجة الباصات الخضر وإخلاء المناطق. واتفاق الجنوب للسبب نفسه مع عدم اتفاق الفصائل على تغييرات جوهرية، جعلت الأردن يطلب فك الارتباط وإنهاء الاتفاق بعد أن صارت الفصائل عالة ومُسبِباً لضغط اقتصادي واحتراق قد يمتد لهيبه إلى الشارع الأردني.

الآن، اللعب على شرق الفرات فهو مما لم يرد في التوافقات المباشرة ويبدو أن عدم ذكر ذلك كان تورية على الجانب التركي الذي يؤكد أنه متيقظ ولا يقبل ألا يكون شريكاً في اللعبة، وهو الشريك الضامن في خفض التصعيد وقد سلم مفاتيحه للروسي مقابل هبات في عفرين وجرابلس والباب، وينتظر اتفاقاً على حصة من الكعكة الأمريكية. وللروسي في ذلك رضى لأن الاختلاف بين تركيا وأمريكا لصالحه حتماً. لكن؛ هل يقبل الأمريكي؟ حتى الآن الجواب بلا. لكن؛ إلى متى؟

تركيا تستخدم سيلاً من الأكاذيب عن كل طريق لاتهام النشاط السياسي والعسكري في شمال وشرق سوريا بأنه مشروع انفصالي تدعمه أمريكا ووجد مسوغ له في ترديدات حلف الشرق الروسي الايراني ونظام الاستبداد معهم بأن واشنطن تمضي في شرعنة ذلك. ويلتحق بهذا الحلف ممثلو الثورة المزعومة من أشاوس الأصولية والنفعية والنهبية المتحالفة مع التركي والتي تعمل تحت إمرته، حيث يصرحون أنهم يعملون على شن عملية واسعة مع الجيش التركي، إلا أن هذا السيناريو التركي لن يرى نصيبه من النور، فما لم يتفق عليه الكبار لا مكان له للتحقق، فالعلاقات الأمريكية ـ التركية الآن  ليست كما كانت في فترات ماضية، وأنقرة لا تستطيع أن تقوم بعمل عسكري قد يهدد مصالح واشنطن أو يهدد العلاقات معها، والتصعيد الكلامي وما رافقه من نيران المدافع  أوقفتها دورية مشتركة مع الأمريكان. ومسألة التوازن مع روسيا تحكمه أهداف أمريكا في شرق الفرات ومدى قدرتها على تنفيذ المعلن منها، في القضاء على داعش أولاً، وعزل إيران بما في ذلك دفع تركيا للابتعاد عنها ثانياً، وتمظهر الحل السياسي النهائي للمسألة السورية وهو ما لم يتجلى حتى اليوم بأسلوب عملي وخطة واضحة ثالثاً، وأما اللجنة الدستورية فلا حياة لها ولن تظهر للعلن إلا بمشاركة ممثلي شمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية آخراً.