صفقة إدلب وتقسيم سوريا

فوزة اليوسف –

صفقة أخرى تمت دون أن يكون للسوريين أي دور فيها، ومرة أخرى يجد السوري نفسه مضطراً لارتداء الثوب الذي صممته القوى الدولية له، ولا يهم إن كان هذا الثوب ضيقاً خانقاً عليه أو فضفاضاً مهلهلاً أو رثاً مهترئاً لا يقي من برد ولا يستر عورة. هذا هو واقع الحال، فلا النظام ولا الفصائل الموجودة في إدلب يمكن لهم أن يّدّعوا أنهم كانوا طرفاً في صفقة إدلب، لذا؛ فإن نتائجها استخدام كل من تركيا وروسيا فقط. فبنود الاتفاق عبارة عن حقل مليء بالألغام، لن تنفجر إلا بالسوريين فقط.

يمكن تقييم تداعيات هذا الاتفاق علينا كما يلي:

أولا: استمرارية النفوذ التركي داخل الجغرافية السورية وما تعنيه من ترسيخ حالة الاحتلال والتقسيم وتحويل إدلب إلى محافظة تركية بامتياز، هذا يعني بأن الحال في كل المناطق التي احتلتها تركيا سيبقى على ما هو عليه.

ثانياً: إذا ما كان خبرالاتفاق حول نقل هيئة تحرير الشام من إدلب إلى مناطق أخرى صحيحاً، فما هي هذه المناطق وما الهدف من نقل هذا التنظيم؟ فإذا كان هذا التنظيم تنظيماً إرهابياً، أليس من الأجدى القضاء عليه وتصفيته؟ لماذا تقوم تركيا برمي طوق الإنقاذ إليه! إذا كان ما تفعله تركيا يعني شيئاً ما فإنه يعني بأنها ستقوم بتصدير الإرهاب إلى مناطق أخرى من سوريا، والتي ستكون على الأرجح عفرين والمناطق المتاخمة لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك نقل قسم منه لمناطق مجاورة لمناطق سيطرة النظام، لنكون بذلك أمام داعش جديد باسم هيئة تحرير الشام أو ربما باسم آخر.

ثالثاً: نزع الأسلحة الثقيلة من الفصائل العسكرية، هذا يعني تقوية النفوذ العسكري التركي والروسي فقط، أي أن النظام والفصائل التابعة للائتلاف سيتم تحجيمها وتقليص نفوذها، بما معناه أن الائتلاف الذي يهلل لهذا الاتفاق ويصوره على أنه انتصار إن هو إلا في غفلة كبيرة وحالة خداع للنفس. فهذا الاتفاق يعني فقدان الفصائل العسكرية الموالية للائتلاف قوة التصدي لأي عمل عسكري محتمل للنظام وتركها تواجه مصيرها المحتوم، وأيضاً وضع النظام في قفص وتحجيمه ومنعه من تحقيق أهدافه، ما يعني أن مباركة النظام والائتلاف لهذا الاتفاق ما هو إلا استسلام لواقع لا يمكن تغييره فيما بعد بالنسبة لكلا الطرفين.

رابعاً: الأزمة مستمرة وكل الأحاديث حول حل مبكر لها ليس إلا ذَر للرماد في العيون، فقد بدا جلياً في قضية إدلب بأن قوى التحالف الدولي بدأت الدخول في مرحلة ما بعد داعش وحالة عدم الوضوح التي كانت تسبغ مواقفهم، وبخاصة الولايات المتحدة، بدأت تتغير. فالولايات المتحدة، بعد اليوم، لن تقف مكتوفة الأيدي وستكون لها كلمة الفصل في كل ما يجري، وربما ليس من المستبعد أن يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت روسيا لعقد مثل هذه الاتفاق مع تركيا لتعميق الشرخ بين تركيا والولايات المتحدة وحتى تقطع الطريق على أي تقارب محتمل بينهما في المستقبل. وهذا ما يدفعني للقول بأننا سنشهد مرحلة جدية من مراحل الصراع الدولي في سوريا، وما تكثيف الضربات الاسرائيلية في سوريا مؤخراً، وتفعيل الدور الأمريكي ومجموعة الخمسة، وربط عملية إعادة الأعمار بالتسوية السياسية إلا أمور تؤكد هذا الشيء.

على الرغم من كل ما ورد أعلاه، هذا لا يعني بأن الأمور ستسير حتماً كما تشتهيه القوى الدولية، ذلك أنه في الشرق الأوسط، وبخاصة في سوريا، ثمة أمور دوماً يمكن أن يطرأ فيقلب الموازين رأساً على عقب؛ فمثلاً هل ستقبل جبهة النصرة الاستغناء عن مكاسبها والانسحاب بهذه السهولة! وهل سيلتزم النظام بالاتفاق الذي فرض عليه وقبله كرهاً وليس طوعاً! هذه الأمور كلها ستعرف في المستقبل القريب. ولكن؛ في النهاية ما هو واضح هو أن الاتفاقيات التي تعقد بعيداً عن إرادة السوريين ولا تخدم مصالحهم ستكون تداعياتها خطيرة جداً عليهم، وهذا ما أثبته سبع سنوات من الأزمة السورية